هل تصدق أنه في الوقت الذي تعلن فيه وزارة الصحة عن خطة لإصلاح أقسام الطوارئ في المستشفيات العامة والمركزية التابعة لها تتكلف نحو 2 مليار جنيه، تستمر الوزارة في تطبيق خطة وزيرها السابق حاتم الجبلي في إهمال مستشفيات التكامل التي يبلغ عددها حوالي 468 مستشفي في نحو 29 محافظة وبلغت تكلفتها الإجمالية أكثر من مليار جنيه، حيث تم تزويدها بأحدث الأجهزة والمستلزمات الطبية ولم يبق إلا الأطقم الفنية من أطباء وتمريض، ولكن حاتم الجبلي قرر تجميد تلك المستشفيات بعد توليه الوزارة في حكومة نظيف الثانية في 27 ديسمبر 2005 فيما عرف بحكومة رجال الأعمال، وذلك لإتاحة الفرصة واسعة أمام المستشفيات الخاصة لمص دماء المرضي بعد أن قرر صاحب دار الفؤاد عدم دخول أي مستشفيات جديدة تابعة للدولة للخدمة الطبية في مصر حتي تنفرد المستشفيات الخاصة بسوق العلاج. مشروع مستشفيات التكامل الصحي هو مشروع منحة يابانية للحكومة المصرية وذلك في سياق التعاون المصري الياباني في مجال الصحة، وهو عبارة عن مجموعة من المستشفيات الحكومية التي تم بناؤها وتشييدها علي أعلي مستوي وقامت فيها الدولة بتوفير أحدث الأجهزة الطبية، لكنها لم توفر لها الهيكل الإداري الذي سيقوم بالعمل في هذه المستشفيات رغم أن ميزانية إنشائها تكلفت مئات الملايين من الجنيهات علاوة علي ذلك تكلفة الأجهزة والمعدات الطبية الموجودة حاليا بها وهي الأجهزة التي صدأت وغطتها الأتربة جراء عدم الاستعمال، بالإضافة إلي ميزانية الصيانة السنوية لتلك الأجهزة الموجودة في مستشفيات لا تعمل من الأساس، حيث لم يدخلها مريض واحد للعلاج منذ إنشائها قبل عدة سنوات. وتعود فكرة إنشاء مستشفيات التكامل إلي د.إسماعيل سلام وزير الصحة الأسبق حيث بدأ في عهده العمل في مشروع مستشفيات التكامل الصحي بقري المحافظات للعمل علي تخفيف العبء القائم علي المستشفيات المركزية والمستشفيات الجامعية مما يتيح الفرصة أكثر لتحسين الخدمة بهذه المستشفيات التي يبلغ عددها 468 مستشفي منتشرة في جميع أنحاء الجمهورية وموزعة علي 29 مديرية صحة، ولكن بدلا من ذلك مثلت تلك المستشفيات صورة من أوضح صور الفساد الإداري في وزارة صحة الجبلي لأنها جسدت الوضع الأمثل للإهمال وإهدار المال العام، فرغم أن التجهيز الكامل لمعظم المستشفيات انتهي في عامي 2002 و 2003 حيث كانت مجهزة بجميع التجهيزات من غرف للعمليات ومراكز للأشعة والأسرة ولم يبق سوي اتخاذ قرار وزاري ببدء العمل بهذه المستشفيات، ولكن القدر لم يشأ ذلك فقد رحل الدكتور إسماعيل سلام ورحلت معه كل المشروعات التي بدأ في تنفيذها ومن أهمها مشروع مستشفيات التكامل. وجاء الدكتور حاتم الجبلي بما لا تشتهي مستشفيات الغلابة حيث أصدر القرار بمنع استكمال مشروع مستشفيات التكامل وإيقافها بحجة أنها تتكلف 500 مليون جنيه من الموازنة العامة للدولة ونسبة الإشغال بها 23%، والمقرر لها مبلغ 170 مليون جنيه وأيضا كانت الحجة الأكبر وهي فرض نظام التأمين الشامل للمواطنين والذي يتيح للمريض شراء الخدمة العلاجية من المستشفيات الخاصة مثلها مثل المستشفيات التابعة للدولة بلا أدني تدخل من وزارة الصحة، وهنا يأتي السؤال المحير: كيف يمكن للوزير السابق إلغاء مشروع تكلف مليارجنيه دون أن يبدأ في العمل بالمشروع البديل. ولقد قام أعضاء مجلس الشعب والمجالس الشعبية بالطلب أكثر من مرة من الوزير السابق بسرعة إنجاز هذا المشروع، حيث يمكن لهذه المستشفيات أن تخدم ما يقرب من حوالي مليوني مواطن، وهنا تكمن المأساة وهي ليس فقط إهدار ملايين الجنيهات، ولكن عدم تقديم الخدمة الطبية اللازمة لهذا العدد الكبير من المواطنين. ومن المدهش أن جميع الأجهزة والأدوات الطبية الحديثة التي جهزت بها هذه المستشفيات تم تخزينها بالأدوار الأرضية بكل مستشفي بل إن بعضها قد أصيب بالصدأ أو تم نقلها بمعرفة مديريات الصحة بقرار من الوزير السابق إلي أماكن أخري مجهولة دون معرفة أحد. وعقب نجاح ثورة 25 يناير وخلع حاتم الجبلي مع رئيسه مبارك ورئيس وزرائه نظيف تقدم مختار هاني المحامي ببلاغ للنائب العام، يتهم فيه الدكتور حاتم الجبلي، وزير الصحة الأسبق، بإهدار المال العام في إنشاء مستشفيات التكامل الصحي بالمحافظات. وجاء في البلاغ أنه تم إنشاء مئات المستشفيات بقري المحافظات والمدن الصغري تحت مسمي مستشفيات التكامل الصحي، وتكلفت الدولة ملايين الجنيهات ومنها 14 مستشفي بالقليوبية أقيمت علي مساحات شاسعة، ثم تحولت بقرار من الوزير الأسبق إلي وحدات طب أسرة، وهذه الوحدات لا تحتاج لهذه المساحات التي أقيمت عليها وتسبب القرار في إهدار المال العام، وتحولت المباني إلي خرابات لعدم استغلالها نهائيا. ومن القليوبية إلي قنا وبلاغ آخر إلي النائب العام بسبب إهمال مستشفيات التكامل حيث يقول البلاغ إنه تم إنشاء مستشفيات التكامل الصحي بمحافظة قنا منذ عام 1997 وعددها 30 مستشفي تكامليا صحيا من بينها 18 مبني كوحدات صحية و12 تحت الإنشاء والترميم وأعمال الصيانة، وقد تم تجهيزها بملايين الجنيهات بقرار من د. إسماعيل سلام وزير الصحة وقتها وتشمل غرفة عمليات متكاملة وعيادة استقبال طوارئ وعيادة أطفال وعمل طبي مجهز وعدد 2 أشعة تليفزيونية، ولكن هذه المستشفيات والوحدات لم تدخل للخدمة الطبية الفعلية بدون سبب واضح ورغم أنها لم تستخدم إلا أن مديرية الصحة في قنا قامت بنقل جميع الأجهزة الطبية الحديثة الموجودة بها إلي مكان آخر بدعوي خضوع المستشفيات لعمليات صيانة وترميم رغم أنها بحالة جيدة جدا فهي لم تستخدم من الأساس. ومن قناوالقليوبية إلي المنيا والمنوفية وغيرها من المحافظات التي أنشئت فيها مستشفيات التكامل لخدمة آلاف المرضي لكن حاتم الجبلي خربها لغرض في نفس أصحاب المستشفيات الخاصة فهل يعيدها د. أشرف حاتم وزير الصحة الحالي إلي الحياة مرة أخري أم أن وزراء حكومة د. عصام شرف يسيرون علي نفس خطا وزراء حكومة نظيف؟!