اختطفتني حكايات «مروان البرغوثي» أو يومياته في السجن التي يدهش القارئ بها في الكتاب الذي صدر بقلمه تحت عنوان «ألف يوم في زنزانة العزل الانفرادي»، والذي قام بكتابة مقدمته الإعلامي «زاهي وهبي». عملية اختطافي سبقها صوت زوجته المناضلة الفلسطينية العزيزة «فدوي البرغوثي»، حيث جاءني صوتها من القاهرة، ففرحت كالمعتاد بأنني سوف أراها من جديد. ثم حين التقيت بها تكرر تقديري لدأبها ولمثابرتها علي مواصلة مساندة زوجها، حيث صارت هي الصوت الذي يتحدث عنه، كما أنها في الوقت ذاته العين التي يري هو بها. فعبر عيونها لم يتوقف مروان عن التواصل مع الدنيا علي مدي ما يقرب من العشر سنوات عمر تغييبه وراء قضبان سجون الاحتلال الإسرائيلي، مبهرا الأحرار بحرصه علي أن ينجز رغم القيود، وأن يواصل التفاعل مع الحياة علي الرغم من الأغلال، فإذا كانت القاهرة قد شهدت في العام الماضي مناقشة رسالته للدكتوراه التي أنجزها وهو قابع في سجون الاحتلال، فإن جديده هذا العام كان هذا الكتاب بقلمه، والذي تصادف صدوره مواكبا لأنباء عن اقتراب إنجاز صفقة تبادل للأسري تتضمن اسم «مروان البرغوثي» وعددا كبيرا من المجاهدين الفلسطينيين في مقابل الإسرائيلي «شاليط». ما أمسكت بالكتاب حتي قامت سطوره باعتقالي، حاصرتني التفاصيل التي سجلها قلم مروان البرغوثي داخل زنزانة العزل الانفرادي، اقتلعتني من تفاصيل ثورتنا المصرية بمفاجآتها اليومية، ومساراتها التي صارت تبدو أحيانا تكعيبية وسريالية. أكثر ما يتميز به هذا الكتاب هو التفاصيل، فهو يتضمن تفاصيل دقيقة عما وراء القضبان. ليس فقط حول أنواع التعذيب البشعة التي تعرض لها سواء التعذيب الجسدي أو النفسي طوال فترة التحقيق، إنما أيضا تفاصيل طرق التفتيش المهينة، وعذابات الزنازين وقذاراتها وحشراتها وحراسها، كل ذلك بقلم من كابدها، وليس نقلا عن آخرين. إيضا فإن أحد المميزات التي يجب الإشارة إليها بعد قراءة الكتاب فهي الصدق الواسع في تسجيل مشاعره وهو داخل الزنازين الانفرادية التي أودع بداخلها في عدة سجون، حيث من المعروف أن سلطات الاحتلال لا تترك للأسير الفرصة للتعود أو التآلف مع الأوضاع السيئة للزنزانة الانفرادية في سجن واحد، لأن التعود يساعد علي التحمل، لذلك يتم النقل من سجن لسجن بين حين وآخر. وقد حرص مروان البرغوثي علي توضيح ذلك بدون أية جمل خطابية أو دروسا تقريرية، إنما عبر الحدوتة والوصف والتسجيل، في سياق بقدر ما يثير في القارئ من تأثر بسبب ما يعانيه المؤمن بقضية وما يتحمله من أجلها، بقدر ما يبعث في الوقت ذاته بحالة من الأمل الفوار والحماس البناء، والإحساس بنبل المقاومة وعزة الدفاع عن الحق والحرص علي الاقتداء بشرف التمسك بالقيم ومواجهة الطغيان إلي أن يأذن الله سبحانه بالنصر مهما كانت التضحيات.