وسط الأجواء العامة المشحونة التي نعيشها تلك الأيام لمحاكمات رموز النظام السابق والاعتصامات التي تملأ أنحاء مصر أنسحب من هذا التوتر إلي صالة عرض المركز الثقافي الفرنسي بالمنيرة لأعيش بعض الوقت في حالة التأمل التي تفرضها علينا بعض الأفلام التسجيلية، حيث عرض الفيلم التسجيلي ظلال وذلك في إطار مهرجان لقاء الصورة .. الفيلم إخراج مشترك للمنتجة والمخرجة ماريان خوري والمخرج التسجيلي المغربي الراحل مصطفي الحسناوي والذي توفي في 15 يناير 2011. الفيلم يقع في 90 دقيقة مصورة بالكامل داخل مستشفيين للأمراض النفسية عندما أبحث عن كلمات لوصف الفيلم أستطيع القول أنه مؤلم ومربك بدرجة كبيرة يشعرك أحيانا بالغضب من بعض المشاهد.. الفيلم لا يقوم علي بناء تقليدي تصاعدي يؤدي في النهاية لاكتشاف أو لحظة تنوير ما يحمل خطاً شديد الشفافية يضعنا في تماس مع أنفسنا أو مع جزء خفي داخل أنفسنا. الفيلم رحلة لتسجيل الحياة اليومية في عالم شديد الخصوصية عالم مغلق علي أصحابه إنه رحلة في عالم البشر المحطمين، بشر لم تستطع نفوسهم شديدة الحساسية والهشاشة مواجهة واقع الحياة القاسي والبشر الأشد قسوة، عالم لم يستطيعوا أن ينفذوا له ويتوافقوا مع شروطه القاسية في البقاء فانفصلت أرواحهم عنه، رفضوا الواقع ولفظتهم الحياة خارج منظومتها ليخلقوا لأنفسهم عالمهم الخاص. يبدأ الفيلم في صالة استقبال المستشفي ومجموعة من النساء البسيطات يقفن في طوابير لصرف الدواء أو أخذ تذاكر لمراجعة عيادات الأطباء إحدي المريضات تقف في الطابور شابة ذات وجه أسمر بيضاوي تغني بصوت جميل عذب ونظرات شاردة، تتوالي مشاهد الفيلم نسمع أحيانا بعض الحكايات من المرضي أنفسهم أو من خلال ذويهم كيف دخلوا وكيف كانت حياتهم خارج المستشفي ومن أشد المشاهد إيلاماً مشاهد إيداع المرضي من قبل ذويهم في المستشفي إنها لحظة فاصلة تحملهم من عالم إلي عالم آخر هم في الغالب يستقبلون تلك اللحظة وهم في حالة شرود، تشتد قسوتها ومرارتها بالنسبة لذويهم فهم يدركون أنهم يدخلونهم إلي عالم لا يعرفون حقيقة هل سيقدر لهم أن يروا أبناءهم مرة أخري خارج هذا العالم أم لا؟. أمل السيدة الخمسينية تقف كورس تغني بأسي وحزن أو تقف شاردة تتأملها الكاميرا تضع مساحيق علي وجهها وتتزين بأساور بلاستيكية ملونة رخيصة وطلاء أظافر قديم توحي لنا بأنها كانت في الماضي أنثي جميلة تتمسك ببقايا أنوثتها أنها مازالت محبة للحياة رغم الألم وأحلي سنوات عمرها التي ضاعت في المستشفي لنعرف أن أخاها هو الذي أودعها بقسوة بالغة في المستشفي تتبادل الحديث مع امرأة أخري أصغر سنا نعرف أنها عانت من قسوة زوجها وحرمانها الجنسي المتسبب في مأساتها مع زوج أرادت منه الحب ولم يعطها سوي القسوة والمهانة والحرمان، وهناك حكايات أخري لنزلاء تختلط فيها الميثولوجيا الدينية بقصص عن جنية مسيحية تتلبس روح شاب مسلم ويفشل القساوسة والمشايخ في إخراجها فتودعه أمه المستشفي لغرابة أطواره وتصرفاته التي تدعي أنها تأثير الجنية التي تتلبس روحه. رحلة صانعا الفيلم استغرقت شهوراً طويلة من التصوير . وفي نهاية الفيلم نقف أمام أنفسنا نتساءل هل يستطيع هؤلاء البشر أن ينفذوا للحياة مرة أخري ليتعايشوا مع عالمنا القاسي.. إن في داخل كل منا ظل إنسان تهفو نفسه للانفلات من هذا الواقع كما انفلت هؤلاء نحن نقف جميعا طوال حياتنا محاولين الصمود مقاومين للانهيار يقف هذا الظل الهش في داخلنا في تماس مع عوالم أخري أكثر رحابة من عالمنا المحدود. ولا يبقي من المعلومات عن الفيلم سوي اشتراكه في مهرجان فينسيا السينمائي ومهرجان دبي السينمائي في دورته الماضية حيث حصد جائزة لجنة التحكيم وقد اختلفت حوله الآراء وشهد جدلا واسعا بين من احتفي به وبين من هاجمه ولا يبقي للقارئ سوي أن يشاهد الفيلم بنفسه ليعرف إلي أي الفريقين سينضم.