خالد الصاوى من أوائل الفنانين الذين نادوا بالتغيير وهتافاته فى ثورة يناير مطالبا بالحرية والعدالة الاجتماعية ليست الأولى له على الإطلاق، فهو معروف عنه آراؤه واتجاهاته فى الشارع السياسى المصرى، وكان أبرز الوجوه المشاركة فى ميدان التحرير نتيجة معارضته لنظام الحكم السابق، لذلك كان من الضرورى أن نلتقى به ونعرف آراءه حول العديد من الأمور فى ظل الأحداث المتلاحقة التى تشهدها مصر مؤخرا كحالة الاحتقان الدينى ومحاولات بقايا الطبقة الحاكمة للالتفاف حول الثورة وحدثنا عن أهمية الاستجابة للمطالب الفئوية وضرورة السرعة فى تحقيق نتائج ملموسة للثورة على أرض الواقع وعن تخوفاته من التغيرات السلوكية للشخصية المصرية بعد ثورة يناير، وفى المقابل سعادته بعدوى التغيير التى انتشرت فى العالم العربى مؤخرا . تصوير شريف الليثى ما رأيك فى الإعلان الدستورى الذى تم إعلانه منذ أيام قليلة؟ - هناك عدم وضوح وعدم استقرار فى العملية الدستورية، فالثورة أسقطت الدستور القديم والإجراء الديموقراطى المنطقى المفترض هو جمعية تأسيسية لعمل دستور جديد تماما، فنحن نريد دستوراً جديداً تماما وحتى الآن لم نعترف بسقوط الدستور القديم بشكل رسمى. رأينا مؤخرا محاولات عديدة لإقحام الدين فى السياسة، ما رأيك فى هذا؟ - أنا يسارى ومواقفى معلنة ورأيت بعينى محاولات انتشار التيار الدينى على مختلف اتجاهاته وتجربتى معه كانت مريرة كيسارى وكفنان وكطالب جامعى، وأنا أرى أن إقحام الدين فى السياسة هو محاولة خلط خبيثة يستعملها التيار الدينى، ونحن كشعب مصرى متدين ومؤمن - أيا كانت الديانة التى نتبعها - فجميعنا مؤمنون أما أن تأتى وتدمج نفسك فى الدين، وتعتبر أنك أنت الدين والدين هو أنت، فهذا خطأ كبير لأن الدين يجب ألا يدخل فى السياسة، لأنه فى حالة دخول الدين فى السياسة سندخل إلى مرحلة العنف وفرض الرأى بالقوة وسيكون هناك عنف، وإذا أردت نشر الدين إذا فأنت تصلح لهذا عن طريق دورك كداعية، ولكن لا يمكنك أن تمارس فعلاً سياسياً وإلا وقتها ستحدث مشكلات عنف وعنف مضاد وستضطر وقتها لاضطهاد المرأة والأقباط والفنانين والليبراليين، وننتظر أن هؤلاء جميعا لن يردوا بالمثل خاصة أن هناك خطراً دائماً لتفاقم الوضع أو لهجوم مضاد خاصة مع حالة عدم الاستقرار الأمنى الموجودة الآن، إذن فكل محاولات الخلط الخبيثة هذه مرفوضة تماما لأننا لن نقبل بممارسة قهرية علينا. ماذا عن الاحتقان الدينى الموجود الآن بشكل واضح فى الشارع المصرى؟ - المسار الديموقراطى يعتبر حزمة متكاملة لا يجوز فصلها وفى سياقها موضوع المواطنة وليس لى دخل أنت مسلم أم مسيحى والمسألة لا يجوز تصويرها على أنها احتقان دينى بين مسلمين وأقباط، لأن فى تصورى أن هذا الاحتقان نتيجة وليس سبباً، وهذا حدث نتيجة لحالة الاستعداء التى تتم على الآخر، وهذا خطر جدا وليس فى مصر فقط بل فى العالم كله، لأنه يجب ألا ننسى أن هناك جالية مسلمة فى كل مكان فى العالم، وأنت إذا اضطهدت مسيحياً مصرياً إذاً أنت تسىء لوضع الجاليات المسلمة فى العالم وتضعها فى خطر لذا علينا أن نراجع أنفسنا من الناحيتين الوطنية والاستراتيجية كى لا أتسبب بخطر لتلك الجاليات، وأنا ضد الاضطهاد من أى نوع سواء أقباطاً أو مسلمين، فمن حق الجميع عرض أفكارهم والدفاع عنها، وأنا ضد أى إجراء غير ديموقراطى معهم، فأنا شاركت يوما ما فى مسيرة فى ميدان طلعت حرب مع مجموعة من أسر المعتقلين من جماعة الإخوان المسلمين رغم إننى يسارى، إلا أننى أرفض اعتقالهم وتعذيبهم، لذلك يجب أن نحاول أن نصل لصياغة لاحترام المواطنة وأن أحترمك كإنسان ومواطن مصرى لنجنب مصر شرور العنف والعنف المضاد. خلال 30 عاما كانت هناك محاولات من جانب جماعة الإخوان للانتشار ومن ناحية أخرى محاولات من النظام لقمعهم، كيف ترى ظهورهم الآن بقوة خاصة فى وسائل الإعلام؟ - يجب أن يكون لدينا مبدأ بخصوص هذا الموضوع فأنا ضد انتشار أى حزب على أساس دينى سواء كان «إخوان مسلمين» أو «إخوان مسيحيين» ووقتها (مش هنخلص) واذا كان موجوداً بالفعل وواسع الانتشار فمن حقه أن يكون موجوداً إعلاميا . ألا تخشى من وصولهم للحكم إذا أثروا على فئة أكبر من الناس عن طريق انتشارهم إعلاميا؟ - إذا خفنا من وصولهم للحكم إذن فنحن لا نتكلم بلغة ديموقراطية إطلاقا وسنلجأ وقتها إلى القوة وهذا شىء مرفوض تماما، ولكن الحل الوحيد هو أن ألجأ إلى الحوار الديموقراطى وأواجههم بطريقة ديموقراطية وأقوم بعمل حملات ضدهم وأفند سياساتهم وأهاجمهم إعلاميا، فأنا شخصيا أعارضهم على طول الخط ولكن لا أقبل اتخاذ أى إجراء غير ديموقراطى ضدهم سواء بالتعذيب أو الاعتقال أو منعهم من الظهور. سقط النظام وسقطت حكومة شفيق وتتم محاكمة العديد من رموز الفساد، كل هذا كان جزءاً من مطالب الثورة وإنجازات تحققت على أرض الواقع، هل ترى فى المقابل محاولات لعدم استكمال هذه الإنجازات ؟ - لا توجد طبقة حاكمة تسلم الحكم بسهولة لأنها لو سلمت الحكم فهذا معناه أنها ستسلم الثروة والنفوذ والسلطة، وهذا شىء لايقوم به أحد بإرادته، وإذا حدث لا يحدث بسهولة وإنما سيصاحبه مناورات ومحاولات عديدة وسيكون لها مائة وجه وستتلون فى محاولة منها أن تلتف حول الثورة والقيام بثورة مضادة ، لذلك فمن المنطقى أن تكون هناك محاولات لثورة مضادة وعمليات لتقليل الاندفاع الثورى متمثلة فى البطء فى تنفيذ المطالب الجذرية للجماهير وليست الظاهرية فقط، فلماذا لم يحل الحزب الوطنى حتى الآن وغيرها من الإجراءات الطويلة المتباطئة وأخذ موقف من المطالب الفئوية؟ والسؤال هو «أنت ناوى تكمل الثورة لحد فين؟»، فمشكلتنا لم تكن حسنى مبارك فقط، مشكلتنا هى طريقة معينة فى الحكم، لذلك يجب علينا أن نكون يقظين لثورتنا حتى نصل بها إلى بر الأمان وتتحقق المطالب الجذرية ونركز عليها لأنها تمثل عنصر استمرار الثورة. ولكن هناك اتهاماً بأن المظاهرات الفئوية والمطالب التى تنادى بها تعطل عجلة الحياة اليومية وتؤثر على الاقتصاد؟ - المطالب الفئوية كلها تعتبر تجسيداً لمطلب العدالة الاجتماعية ولا يجوز تأجيلها أو تهميشها وكيف أمنعه من الاحتجاج بحجة تعطيل المصالح وهو بالأساس عاطل ولا يجد قوته، فأنا أمنع من يقبض 200 جنيه فى الشهر من أجل استمرار مصالح من يقبض خمسة آلاف وعشرة آلاف فى الشهر فكيف أتكلم معه فى تعطيل الحياة ومن يعطلها أصلا هى الطبقة الحاكمة نفسها والرأسماليين، فهذه الحجة هى قول حق يراد به باطل يجب أن ننظر إلى حقوق هؤلاء ونسعى إلى تحقيق عدالة اجتماعية لهم لأنه بتحقيق هذه العدالة نستطيع أن نجزم بنجاح الثورة. هل غيرت الثورة فى التركيبة النفسية والسلوكية للمصريين ؟ - بالتأكيد كان هناك تغيير كبير ولكن أنا أحذر من أن الناس إذا لم تتحقق أهدافها بشكل كبير ستحدث انتكاسة فظيعة، فنحن فى بداية الثورة شاهدنا سمواً فظيعاً فى السلوكيات ثم بدأ المنحنى فى النزول لذلك يجب أن ندرك هذا بسرعة ونحقق للناس إنجازات ليلمسوها على أرض الواقع تحقق طموحهم وأحلامهم، لأنه إذا انتهت الثورة وظل من يذهب إلى مارينا كما هو ومن يعيش فى الدويقة كما هو (كده هيكون هزار) ولم نحصد أى شىء، ولم نحقق أى نتيجة، لأن مشكلتنا لم تكن مع الرئيس فقط وإذا لم يلمس الناس هذه العدالة الاجتماعية، ونتائج على أرض الواقع ستحدث انتكاسة فى الأخلاق التى شهدت سمواً، لمسناه جميعا أثناء ثورة يناير وكنا فخورين به. قدمت فى مسلسل «أهل كايرو» صورة لفساد رجال الأعمال فى الدولة، هل ما وصلت إليه مصر فى الأعوام الأخيرة وأدى إلى انفجار الثورة كان نتيجة لهذا الفساد؟ - السبب كان فى فساد عملية البيزنس نفسها والطريقة التى كان يتم بها تكوين الثروات فى مصر منذ سنوات طويلة، وتلك العملية تسير فى طريق منحرف انعكس هذا الفساد على جميع مناحى الحياة وأفسد الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية وانعكس على كل شىء. ما رأيك فى الآراء التى اتهمت المصريين بأنهم غير مستعدين لممارسة الديموقراطية؟ - كل من صرح بأن الشعب المصرى غير جاهز للديموقراطية يجب منعه هو نفسه من مباشرة الحقوق السياسية، وكذلك أى إنسان يقلل من الشعب المصرى ولا يحترمه بكل ما فيه من سلبيات وإيجابيات. فى رأيك ما هو السبب وراء رياح التغيير التى تجتاح العالم العربى حاليا ؟ - هذا يثبت ما أقوله أنا وغيرى منذ سنوات عديدة، بأن العالم العربى كله عائلة كبيرة متعددة الأسر، وأن كل ما خلق بيننا من حواجز كانت حواجز وهمية ومصطنعة وضعها الاستعمار. ولكن هذه الشعوب أمة واحدة كانت تسعى إلى الاندماج الكلى، والثورة العربية حققت هذا، وأثبتت أننا شعوب متقاربون لدينا نفس المشاكل ونفس الآلام، ومن المنطقى الآن مع مطلع القرن الواحد والعشرين أن نعيش الديموقراطية ونحياها كما يعيشها العالم كله عدانا نحن، فنحن تأخرنا عنها، ولكن البحث عن هذه الديموقراطية هو السبب الأساسى فى هذه الثورات واشتعالها فى وقت واحد فى الشعوب العربية، وبالتأكيد سيكون التاريخ فى صفها ولن يخذلها وسننتصر جميعا. انتهيت مؤخرا من تصوير شخصية الشاعر «أحمد فؤاد نجم» فى فيلم ''الفاجومى''، وكل منكم معروف باتجاهاته الثورية كيف وجدت تجربة تجسيد قصة حياته؟ - استمتعت بهذه التجربة بشكل كبير، فهو ملهم على كل المستويات كإنسان وشاعر ومناضل ومتمرد لاييأس ولا يخضع للظروف فهو ملهم على طول الخط وعصامى قاوم نشأته وظروفه ومن خلال الفيلم ستجدونه نموذجاً شديد الطبيعية، والمرحلة التى نعيشها فى الفيلم من الخمسينيات إلى السبعينيات وخاصة ثورة الشباب فى السبعينيات أعتقد أنها كانت بروفة لثورة 25 يناير. سقوط النظام السابق وعدة مؤسسات كانت تحميه من ناحية ومناقشة إلغاء الرقابة على الأعمال الفنية من ناحية أخرى، كيف سيكون مردود هذا على الأعمال الفنية الفترة القادمة؟ - الفن في الفترة القادمة سيحدد مستقبله بشكل كبير، الفنانون الشباب الذين ظهروا مع الثورة والفن الذى سيقدمونه هو الذى سيحدد آفاق الفن فى الفترة القادمة، لأن الساحة الفنية أفلست وتحتاج إلى ثورة شاملة والفنانون أصحاب الرؤية والمؤمنون بهذا ستكون المسئولية مضاعفة عليهم، أما بالنسبة للرقابة فأنا أوافق فقط على الرقابة العمرية، وبعد هذا فالإنسان هو رقيب نفسه والناس تستطيع التمييز وتعزف بنفسها عما هو غير ملائم لها.