كتابات فتحى غانم الأدبية تحمل أسرار فنه البديع فى كتابة القصة القصيرة والرواية. تلك الأسرار التى لا تزال فى أصدافها تتلألأ وترسل خيوطا من نور تتبعها فتهتدى إلى عالم ثرى يتحول فيه الواقع إلى خيال، ويتغير فيه الخيال إلى واقع. ونحن نحتفل بالذكرى المئوية لكاتبنا الكبير، نرصد كيف رأى فتحى غانم قصصه ورواياته؟، ليس من خلال حوارات صحفية أجريت معه، ولا من خلال ما كتبه من رؤى حول ماهية الإبداع، وما تبعثه فينا الروايات والقصص القصيرة من حيوات، ولكن من خلال إحدى قصصه البديعة، التى أراها أيقونة رائعة تجلو لنا لآلئ بعض أصدافه، وترسل إلينا بخيوط من نور نستضىء بها فى تعمق عالمه الإبداعى الثرى .
الرجل الذى فقد ظله
فتحى غانم قاصا هذه القصة الأيقونة ضمتها مجموعته القصصية «عيون الغرباء»، والتى أصدرها فتحى غانم عام 1997، أما القصة فهى بعنوان «يوسف فى تابوت من زجاج». ومن الجدير بالذكر أن كاتبنا بدأ رحلته الأدبية بكتابة القصة القصيرة، فصدرت مجموعته القصصية الأولى «تجربة حب» عام 1957 ثم توالت أعماله الروائية، والقصصية فأصدر رواية «الجبل» عام 1959، ثم مجموعته القصصية «سور حديد مدبب» عام 1964، ثم انقطع عن كتابة القصة القصيرة لمدة عشرين عاما كتب خلالها العديد من الروايات المهمة منها رباعية «الرجل الذى فقد ظله»، و«زينب والعرش» و«الأفيال» وغيرها.
ومن «سور حديد مدبب» المجموعة القصصية التى أصدرها عام 1964، إلى «الرجل المناسب» المجموعة القصصية التى أصدرها عام 1984 اختزن فتحى غانم عطر عالمه الإبداعى الخاص، وفنه الساحر فى كتابة القصة القصيرة، لتكون مجموعته القصصية «عيون الغرباء» التى أصدرها عام 1997، من أهم مجموعاته القصصية، وفيها أيقونته قصة «يوسف فى تابوت من زجاج»، القصة تبلور رؤية «فتحى غانم» للإبداع بين الحقيقة والخيال فهو يرى أنه: «لا توجد حدود فاصلة بين عالم الواقع وعالم الخيال، الواقع يتبخر إلى خيال، والخيال يتجمد فى واقع». فيحدث التماهى بين فتحى غانم وبطله يوسف، فيمزج بين الواقع والخيال فلا تدرى أيهما كاتبنا وأيهما «يوسف»؟، فنمضى معه فى قصة مشوقة يبدأها كاتبنا فى بقوله أنه كان مشغولا بكتابة رواية بوليسية بعنوان «من أين؟»، رواية مثيرة غامضة فيقول:
رواية تجربة الحب
لأن صديقى الفنان جمال كامل يعشق الروايات البوليسية المثيرة فكتبت له رواية «من أين؟»، وبعد نشر الرواية فوجئت بذلك الخطاب الغامض عليه أختام غير واضحة أما طابع البريد فكان منزوعا، وهو ما يحدث أحيانا عندما يكون الطابع غريبا أو من نوع نادر يُغرى بالسرقة، إذ يشتريه هواة جمع الطوابع بمبالغ لا بأس بها، كانت سطور الخطاب قليلة وتقول: إنى من الجوزاء، انتظرنى أنا قادمة إليك فى الربيع». كائنة من الفضاء تُحدثه فلا يدرى هل هى امرأة من الواقع أم كائنة
زينب والعرش
من خيال؟! لكن كاتبنا يعطى القارئ انطباعا بأن الرسالة حقيقية، أوراقها لها ملمس القطيفة، وبرائحة الياسمين، وسوف تتردد تيمة الخطاب كرمزية لحقيقة ثم تغيم كأنها سحابة من خيال. وعندما أراد كاتبنا أن يجعل الخطاب حقيقيا يرتبط بشخصيات حقيقية. فيقول:ظننته مداعبة من صديقى الفنان «كمال الطويل» الذى كان يقرأ الرواية أثناء نشرها فى حلقات أسبوعية، ويسألنى بإلحاح «من أين؟» جاءت «علياء» بطلة الرواية فأجيبه بابتسامة غامضة لا تشفى غليله، فيضيق بابتسامتى، ويتوعدنى بتدبير مقلب لى، وهو ينفذ وعيده.
الجبل
ورأى الفنان «جمال كامل» أن الرسالة لا بد أن تكون بالفعل من «كمال الطويل»، واتفقا على ألا يذكرا شيئا عن هذا الخطاب أمامه حتى لا يتمتع بدوره بأن يجيب على تساؤلاته بابتسامة غامضة! ثم نسى كاتبنا الخطاب، والقادمة فى الربيع من ملكوت الفضاء. رمزية الرسائل وفى نقلة زمنية من وقت وصول الخطاب الأول إلى الخطاب الثانى يقول كاتبنا:
الأفيال
ومضى عام كتبت خلاله رواية «الساخن والبارد»، عن العلاقة بين «يوسف منصور» الشاب المصرى الشرقى، و«جوليا» السويدية، كانت علاقة حب، علاقة صدق كاذب، يوسف يعترف بالحب صادقا، وعقله يذكبه، والخصام بل العداء قائم بين غرائزه وعقله، وتهجر «جوليا» حبيبها يوسف الذى يعود إلى القاهرة يحمل هذا التمزق فى شخصيته. وهنا نرى أحداثا حقيقية عن العام الذى كتب فيه «فتحى غانم» روايته تلك، ثم ننتقل نقلة فى الزمان، وفى المكان مرتبطة برمزية الخطاب الذى يصله هذه المرة من «السويد».
فيقول: وفوجئت بخطاب من «السويد» عليه طابع مملكة «السويد»، والأختام تؤكد أنه مرسل من «السويد»، والورق هو نفس الورق، فى خطاب الجوزاء ورائحة عطر الياسمين نفاذة، وكلمات الخطاب قليلة «يوسف يا مسكين.. أنا قادمة إليك فى الربيع». الخطاب لا يفرق بينه وبين يوسف بطله، بل يوحد بينهما، الخطاب رمزية تبعث على التوتر والقلق لكنه ينفتح على عالم الانتظار الملىء بالأسرار، أسرار الربيع القادم من ملكوت الفضاء.
جمال كامل
حيرته كلمات الخطاب وقال له «جمال كامل»: «إن هذا الخطاب كتبه ناقد ماكر» أما هو فلم يستطع أن يقنع نفسه بأنه من تدابير «كمال الطويل» ! فيقول كاتبنا: فتجاهلت الخطاب، ومضت سنوات، وكتبت رواية «زينب والعرش»، كانت أيام اللهو والمرح قد ذهبت، وجاءت الأيام العصيبة فالوحدة المتينة أصبحت فى خبر كان، وهزيمة يونيو تكتم أنفاسنا، والحديث عن أيام الحسم القادمة أشبه بحلم بعيد المنال، والهمس عن استعدادات لحرب نعبر فيها القنال، ونقتحم خط بارليف تحيط به مخاوف، وأشباح مفزعة، وكان يوسف منصور يتشكك رواية «زينب والعرش» فى السلاح الروسى، وهل هو يصلح للحرب فى ميادين القتال أو يصلح لقتل الزوجات فى غرف النوم، وكان مستسلما لأقداره، يتحصن ببراءته فى غابة البشر، بعد أن أحب «زينب» وتزوجها، كما لو كان يحلم أو يتفرج على نفسه.
نجيب محفوظ
وهنا يحدثنا كاتبنا عن ظروف وزمن كتابته جزءا حقيقيا من واقعه داخل القصة، حتى يجىء الخطاب مرة أخرى فيوجه انتقادا لشخصية «يوسف» فى الرواية فيقول كاتبنا: وجاء الخطاب، ارتعشت أصابعى وأنا أفضه، ورائحة الياسمين تنفذ إلى صدرى «يوسف ما هذه السذاجة، لماذا أنت سلبى. سخيف؟، انتظرنى أنا قادمة إليك فى الربيع. فهل كان فتحى غانم فى هذه الإطلالة الرمزية – من خلال الخطاب – يُحاكم أبطاله؟، يتأملهم من جديد، فيكون الخطاب وسيلة للكشف والانفتاح من جديد على عالم الإبداع فى أجواء مثيرة بين الكاتب وشخصياته؟ وكان الخطاب مُرسلا هذه المرة من «استنبول»، وعليه طابع بريد تركى وأختام تركية. لا أظنها امرأة!ّ
ويضمى كاتبنا فيفتننا بحيوية السرد الشائق، والتساؤلات التى تضعنا مرة على أجنحة الخيال، ومرات على أرض الواقع فيقول: شغلنى الخطاب حتى كدت أفقد أعصابى، هناك من يتابع أعمالى ويترصدها، وينقدنى، ويرسل هذه الكلمات تخزنى، ثم يقول لى أنه قادم فى الربيع، أى ربيع والعمر يتقدم؟، أيسخر منى؟، ما هذا التخويف؟، لا أظن أنها امرأة، هذا تدبير منظم، الخطاب الأول يزعم أنه من الجوزاء، ثم هبط إلى السويد، فى الخطاب الثانى. أما هذا الخطاب الثالث فقادم من تركيا، إنه يقترب خطوة بعد خطوة خطابا بعد خطاب، لا أعرف أحدا فى تركيا، هل هناك جماعة قررت أن تهاجم عقلى، وتدفعنى إلى حالة نفسية مضطربة، ربما الجنون، لا بد أن أقاوم، وأصمد، والتحدى قائم يوم يأتى هذا الربيع المزعوم».
جمال كامل
.. وهنا يضعنا الكاتب أمام عالم داخلى يضطرم فى ذاته، يتشوق إلى ملاقاة المجهول «الربيع القادم، وفى الوقت نفسه تساوره المخاوف والشكوك». وفى نقلة سردية جديدة، ينقلنا بعيدا عن عالم الخطاب، وما يثيره من حيرة وشجن هما فى الحقيقة حيرة المبدع، وقلقه على ما يصدره للقارئ فى إبداعه وكأنه يُسائل نفسه هل كان «يوسف منصور» فى روايته «زينب والعرش» سلبيا، ساذجا؟! وفى النقلة السردية الجديدة يحدثنا فتحى غانم عن روايته «الأفيال» وكأنه يمسك بخيوط الزمن، فيؤرخ لكتاباته تطورًا ونماءً فيقول: «وكتبت بعد سنوات «الأفيال» وكان «السادات» قد وقع معاهدة «كامب ديفيد»، وجماعات انتشرت تدعوه الخليفة الراشد السادس للمؤمنين، وجماعات أخرى تهاجمه، والكلام فى الدين يتحول إلى كلام فى السياسة ولعب بالنار، «الأفيال» عالم مجهول، يذهب إليه البشر، يجترون فيه ذكرياتهم، ويلعبون «الدومينو»، بعيدًا عن أحداث السياسة، وإسرائيل، والإرهاب».
فتحى غانم
ويستجيب الكاتب هذه المرة لملكوت الفضاء، للربيع القادم متمثلًا على هيئة امرأة، ونلمس هذا التشوق لربيع قادم، ربما أراد به الكاتب كتابة جديدة، أو رواية ترسل إليه بإشاراتها فيتوحد معها فيقول: وجاءنى الخطاب، عرفته كأنى أتوقعه، وأبحث عنه كل يوم بين بريدي، ففضضت المظروف، وشممت رائحة الياسمين، ولمست ورق القطيفة: «يوسف.. الحقيقة الوحيدة هى وجودنا معًا، سوف تخرج من مقبرة «الأفيال»، أنت الحقيقة، وأنا الحياة، وما حولك عالم الوهم، لحظة لقائنا سوف نعيشها بلا تاريخ لأنك تعلم أن أجمل التاريخ غدًا، يوسف؟، لماذا أنت يوسف؟ لماذا تُصِّر على أن تكون يوسف؟ لماذا لا تصبح الإسكندرى الغازى؟، لماذا تُصِّر على أن تكون «دون كيشوت»، تدافع عن بطولات وهمية تزعمها لنفسك؟، أنت تعنى لى الكثير، أريدك لأنك حقى المشروع، وأنا قادمة إليك فى الربيع. ويعيد اكتشاف الخطاب فيصبح له رمزية جديدة هى الانفتاح على عالم ربيع قادم، أو على إبداع جديد فيقول كاتبنا: «الخطاب من «دمشق»، عليه طابع سورى، وأختام سورية، لم يعد الأمر دعابة أو نقدًا أدبيًا، أو مؤامرة على عقلى، هذه دعوة للخروج من المقبرة».
كمال الطويل
أسرار الإبداع ثم يكشف «فتحى غانم» فى هذه القصة: «يوسف فى تابوت من زجاج» بعض أسرار عالمه الإبداعى، فمن القصص العذبة ذات الإيقاع الموسيقى قصته «أصابع شيكا بوم» وهى من مجموعته القصصية «عيون الغرباء»، وبطله فيها يعشق موسيقى «الجاز»، وعلى إيقاعاته «شيكا.. شيكا بوم» يلهم غيره فيتأمل الآخرون أصابعه وهى تعزف على الطبلة بحيوية وعنفوان، وفى مدرسة عزفه تعلم زياد صديق، لتصبح أصابعه هو الآخر أصابع طبيب جراح ماهر، وفى قصة «يوسف فى تابوت من زجاج» يكشف كاتبنا عن تأثره بموسيقى «الجاز»، وهى حقيقة استلهمها لشخصيات من خيال، فنرى شخصياته من ثقب الواقع لكن بمفتاح الخيال فيقول كاتبنا: «قاومت كل الهواجس، حتى ظننت أنى تغلبت عليها، لكن حدث أثناء زيارتى الأخيرة إلى «لندن» أن مشيت فى الطريق بين «بيكاديللي»، و«ستراند»، فوجدت دار سينما تعرض فيلم «كل هذا الجاز»، فجذبنى الاسم، أحب موسيقى الجاز، خاصة تلك الأنغام الزنجية الحزينة البطيئة، أزعجنى الفيلم لأنه ذَكرنى بالرسائل، كأنه أقدار غريبة، دفعتنى إلى مشاهدته، فنان تظهر له فتاة غامضة تخفى وجهها بغلالة، لا تخفى جمالها، الفتاة تدعو الفنان إليها، وتمضى الأحداث، ووجه الفتاة يزداد وضوحًا، والفنان يتورط فى علاقته بها، كما لو كان يتقدم فى بحر من الرمال المتحركة، ويغوص كلما تقدم حتى يختفى فى الأعماق، فى لحظة احتضاره، عانقته الفتاة، ومضت به إلى العالم الآخر، هكذا شيئًا فشيئًا، خطوة بعد خطوة، كان الفنان يتقدم إلى أحضان النهاية، ربما كان يتوهم أنها الربيع الجديد. .. وهنا يحدث التماهى بين الكاتب، بين الفيلم فكلاهما فنان يبحث عن إبداع جديد، عن ربيع قادم، ويُلاحظ هنا «حضور المشهد السينمائى، وعالمه الذى يتشابه مع عالم الرسائل التى تصل إلى الكاتب، والمرأة الغامضة التى تسير ببطل الفيلم فى بحر من رمال، و«الجوزاء» القادمة من ملكوت الفضاء، كلاهما تجذب صاحبها إلى عالم مغاير، محفوف بالمخاطر والمغامرمة. وتمثل الخطابات نقلات فى المكان يتجدد معها السرد فيقول الكاتب: «كما أتوقع قدومها، وهى تقترب من «الجوزاء» إلى «ستوكهولم» إلى «استنبول» إلى «دمشق»، الفارق بينى وبين هذا الفنان أنه كان يعرف أنه مُقبل على أحضان الموت، بينما سذاجتى تدعونى إلى أن أخدع نفسى، وأتوهم أنى مُقبل على الحياة». وبرواية جديدة كتبها «فتحى غانم» هى «ست الحُسن والجمال» نكون قد وقفنا على أعتاب محراب الألم الجميل الألم الذى يود الكاتب أن يتقِّد، ويتوهج، ولا ينفد أبدًا.. إنه ألم الكتابة، الكتابة التى ربما تكون أنفاس الحياة ذاتها فيقول كاتبنا: «ما أشد الألم الذى يعتصرنى عند الكتابة، أهى النهاية؟، آخر الكلمات، آخر الحروف، آخر أنفاس الحياة، وكتبت «ست الحُسن والجمال»، نهاية جمال سقط فى الإدمان، كل شىء حتى الجمال له نهاية، نحن لا نملك ولا نسيطر». نهر من حنان ويأتى الخطاب من جديد ليمثل رمزية الاستمرار والديمومة، يستلهم الروح المصرية منذ أقدم العصور، ودور الكاتب المصرى فى التاريخ المصرى القديم، وقرص الشمس رمز المعبود الذى تتجه إليه كل الكائنات صعودًا إلى الآفاق، وهى رمزية اعتنقها المصرى القديم، وجاءته الرسالة لتحمل هذا المعنى الخالد «إرادة الحياة»، فيقول كاتبنا: «وجاءتنى الرسالة التى كنت أحاول هذه المرة أن أفلت من مواجهتها، وقرأت «أتحداك أنت ويوسفك أن تفهم ما عندى من مشاعر نحوك، أحبك وأكره «يوسف» المستسلم. أريدك ولك إرادة حياة، ولديك نهر من الحنان، لا أريد جثة الملك «رمسيس»، فى تابوت من زجاج، أحب كل ما يرمز للحياة، بسمة طفل ترضعه أمه حنانًا ودفئًا، لا تستسلم للضباب، كل الكائنات تتجه إلى قرص الشمس، كل الطرق تؤدى بك إليّ، أتحداك، أغْمضْ عينيك، سترانى فى أحلامك، فى أوراقك، فى قلمك، فى كل مقعد بجوارك، انطلق بسيارتك فى طريق «فايد»، سوف تعرفه، وهناك على شاطئ البحيرة، ستجدنى فى انتظارك، ڤيلا «الجوزاء»، يوسف، جاء الربيع وجئت إليك، أترك كل شىء وتعال، لا تتأخر». ثم يأتى الخطاب بطابع بريد مصرى، وأختام مصرية، ليجد الكاتب ربيعه القادم، يسير بعربته مسرعًا إلى طريق «فايد» ليجد «الجوزاء»، امرأة الإبداع بارعة الجمال التى تتحول من خيال إلى حقيقة، تلك التى كانت معه دائمًا، فيقول عنها: «هناك فى عينيها الميدان الفسيح، بيننا ماض لا أعرفه، علاقة قديمة أجهلها».
ويُعزز الكاتب هذه العلاقة القديمة الجديدة عندما يُورد مشاهد من مجموعاته القصصية السابقة «سور حديد مدبب» ليبحث عن يوسف: «ها هو «الجوزاء» وتجمد كل شىء، النبض والشهيق والبصر والسمع وموتور السيارة، صرت أنفاس مكتومة، سور حديد مدبب وراءه حديقة، فيها أشجار ليمون وكافور، وأحواض زهور تحيط بها خضرة برسيم». ورآها، يتحاوران، يتخلى عن خوفه، وتوتره، تقول له بحزم: «المحكوم عليه بالحياة، ليس لديه وقت للانتظار، وقفزت تطوقنى بذراعيها وتُقبَّلني». فهل كانت صاحبة الرسالة حقيقية أم كائنة من ملكوت الفضاء؟! .. تحملنا هذه القصة بحق إلى عالم فتحى غانم المبدع، والمؤثرات التى استلهمها، حيث لا حدود فاصلة بين عالم الواقع وعالم الخيال.