تشكيل الحكومة الجديدة.. شخصيات مصرفية مرشحة لحقائب وزارية    إضافة «الطب البشري» لجامعة حلوان الأهلية    مطالبات برلمانية بزيادة مخصصات التنشيط السياحى    جولة لرئيس جامعة القاهرة للاطمئنان على سير الامتحانات وأعمال الكنترولات    البابا تواضروس يستقبل سفيرة اليونسكو    الكنز البرتقالي| 1.25 مليار دولار صادرات مصر الإبداعية سنويًا    سعر الذهب اليوم الاثنين في مصر بنهاية التعاملات    رئيس حزب الجيل الديمقراطى يعلق على تقديم الحكومة استقالتها.. فيديو    وزير التجارة يبحث تقوية العلاقات الاقتصادية مع المجر    حرائق وصواريخ على الجبهة الشمالية لإسرائيل    وزير الرياضة يعقد اجتماعًا موسعًا لتطوير المدن الشبابية في مصر    الصليبي يضرب نجم منتخب إيطاليا قبل يورو 2024    بالعلامة الكاملة.. الأولى بنتائج الشهادة الإعدادية في بني سويف: هذا سر تفوقي    إصابة 4 أشخاص في حادث بطريق "نجع حمادي - قنا" الغربي    وظائف متاحة للمعلمين في المدارس المصرية اليابانية.. رابط التقديم    تعديل تركيب بعض القطارات بخط «القاهرة- الإسماعيلية».. السبت    كاتب صحفى: نتنياهو يعتمد استراتيجية المراوغة في إدارة حرب غزة    11 معلومة عن جميلة عوض أحدث عروس بالوسط الفني    أحمد حاتم وحسين فهمي وأبطال «قصر الباشا» يحتفلون بأول يوم تصوير    آخرهن جميلة عوض.. جميلات الفن في قفص الزوجية والخطوبة - صور    وزير الأوقاف يوصي حجاج بيت الله بكثرة الدعاء لمصر    عضو العالمي للفتوى الإلكتروني توضح حكم وقوف المرأة الحائض على عرفات (فيديو)    متى تذهب لإجراء فحوصات تشخيص مرض السكر؟.. «الصحة» تُجيب    الرئاسة الأوكرانية: 107 دول ومنظمات دولية تشارك في قمة السلام المرتقبة بسويسرا    مثلها الأعلى مجدي يعقوب.. «نورهان» الأولى على الإعدادية ببني سويف: «نفسي أدخل الطب»    «أونروا»: «مليون شخص فروا من رفح في ظروف لا يمكن وصفها»    نائل نصار أمل الفروسية المصرية في أولمبياد باريس    موسكو تهدد واشنطن بعواقب الأضرار التي لحقت بنظام الإنذار المبكر    رئيس حزب الاتحادى الديمقراطى: حكومة مصطفى مدبولى عملت فى صمت وحققت الكثير من الإنجازات    ثقافة الإسكندرية تقدم "قميص السعادة" ضمن عروض مسرح الطفل    "التابعى.. أمير الصحافة".. على شاشة "الوثائقية" قريبًا    «بلاش نعمل هيصة ونزودها».. شوبير يحذر قبل مباراة مصر وبوركينا فاسو    محافظ الغربية: نتابع باستمرار ملف التصالح وتبسيط الإجراءات على المواطنين    سُنن صلاة عيد الأضحى.. «الإفتاء» توضح    رودري: اعتزال كروس يلهم الجميع    رئيس الوزراء يتفقد المعرض الطبي الأفريقي الثالث    الأربعاء المقبل.. انطلاق مهرجان الأفلام اليابانية بالقاهرة    بعد الفوز على الاتحاد السكندري.. أبوقير للأسمدة يجدد الثقة في محمد عطية    التحفظ على مدير حملة أحمد طنطاوي لتنفيذ حكم حبسه في تزوير توكيلات انتخابات الرئاسة    بنك القاهرة: 2.7 مليار جنيه قيمة التعاملات عبر محفظة القاهرة كاش بنهاية مارس 2024    محافظ الشرقية: إزالة 372 إعلانا مخالفا وغير مرخص خلال شهر    أسامة قابيل يوضح حكم تفويض شخص آخر فى ذبح الأضحية؟    مجموعة "إي اف جي" القابضة تعتزم شراء 4.5 مليون سهم خزينة    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية في سريلانكا إلى 12 شخصًا    صيادلة الإسكندرية: توزيع 4.8 ألف علبة دواء مجانا في 5 قوافل طبية (صور)    دعاء لأمي المتوفية في عيد الأضحى.. «اللهم انزلها منزلا مباركا»    الحكومة تتقدم باستقالتها.. والرئيس السيسي يكلف مدبولي بتشكيل جديد    تحرير 94 محضر إنتاج خبز غير مطابق للمواصفات بالمنوفية    رئيس بعثة الحج الرسمية: الحالة الصحية العامة للحجاج المصريين جيدة.. ولا أمراض وبائية    الكشف وتوفير العلاج ل 1600 حالة في قافلة للصحة بقرية النويرة ببني سويف    بعد انسحاب قوات الاحتلال.. فلسطينيون يرون كيف أصبح حال مخيم جباليا    كوريا الجنوبية تعلق اتفاقية خفض التوتر مع نظيرتها الشمالية    حالات وإجراءات تأجيل امتحانات الثانوية العامة 2024 للدور الثانى بالدرجة الفعلية    شكري: مصر تستضيف المؤتمر الاقتصادي المصري الأوروبي نهاية الشهر الجاري    علقت نفسها في المروحة.. سيدة تتخلص من حياتها بسوهاج    تحرك من الزمالك للمطالبة بحق رعاية إمام عاشور من الأهلي    35 جنيها للمادة.. ما رسوم التظلم على نتيجة الشهادة الإعدادية بالجيزة؟    أفشة: كولر خالف وعده لي.. وفايلر أفضل مدرب رأيته في الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتصار للحياة والوطن
نشر في صباح الخير يوم 28 - 02 - 2024

هذه الرواية مكتوبة بقلم عاشق فلسطين قتيبة مسلم، الذى أمضى ما يزيد على ثمانية وعشرين عاما أسيرا فى سجون الاحتلال فكتب روايته «زنزانة وأكثر من حبيبة» بلغة الصمود، وحكمة الصبر، فكان أحد حراس النور الذى يشق جدران الظلم والأسر، صدرت الرواية عن الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، رام الله، فلسطين.

غلاف الرواية


بالحب والإصرار
بطله «أوس» مع أبيه الروحى «صاعد»، ورفاق كفاحه فى الأسر: واصل، وصادق، جمعهم عشق الوطن، والسعى إلى تحريره، وتعرضوا لقسوة الأسر فى سجون الاحتلال، فاجتمعوا فى قسم خمسة فى سجن جلبوع المركزى، وفى كل مساء يتبادلون تحية الوطن: «تصبحون على وطن حر»، الجميع كانوا نماذج إنسانية للصمود والصبر، أصبح «صاعد» أباهم الروحى الذى دفع «أوس» لكتابة رواية عن تجربة الحب، والطريق إلى الحرية، فسجل «أوس» تجربته فى الأسر، وكيف تغلب على الزنزانة بحبه لأكثر من حبيبة، الأولى هى وطنه فلسطين، والثانية هى أمه، والثالثة هى حبيبته «أميرة».
لقد هزم سجنه بالحب والإصرار ليكون أحد حراس مرور النور من ثقب الجدار، حتى لو تعرض لأقسى أنواع العذاب على يد المحتل.
ترتسم صورة «أوس» فى عين القارئ مناضلا، يشق إصراره على الانتصار للحرية فتحة فى الجدار، وكأنه يجسد أبيات الشاعر أمل دنقل حين يقول:
(آه.. ما أقسى الجدار/ عندما ينهض فى وجه الشروق/ ربما ننفق كل العمر كى ننقب ثغرة/ ليمر النور للأجيال مرة).
يغالب «أوس» ظروف حياته الصعبة:
والده الذى تركهم، ورحل بإرادته، ولم يفكر فى أولاده وأمهم، فكان يشكو لوالده الروحى «صاعد» فيقول له: (لست وحدك المذبوح فى هذا المسلسل الاجتماعى، هناك الآلاف لا تراهم مرايا حياتنا، ولا تسمع بهم آذان الإخصائيين يموتون بأكثر من شكل، تقذف بهم حمم الزمن، بكل نارها، تحرقهم، تشوى ضلوعهم، ومنهم من ينتصر على جوعه، وظروفه وينهض ناجحا».
أسرار القوة
حفزه «صاعد» أن يكتب مخزون الذاكرة، ويريده «أوس» أن يعلمه أسرار القوة، والحق والبطولة لاجتياز محن السنوات، وأوجاع الأيام، فحمله «صاعد» على أجنحة الحلم إلى عالم الحرية فيقول لأوس: (نحن نبحث وسط هذا الصمت والسجن عن حلم يحملنا إلى حدودد الحرية، ويخترق كل الحدود والعوائق، ولهذا ما رأيك أن نحارب الليل الطويل بالحب والفرح، ونترك الحزن والمأساة إلى أوقات أخرى فأيام السجن طويلة ورتيبة، ونحتاج بها إلى الذاكرة، والجديد لنستطيع الخروج من الروتين.
فتشرق نفس «أوس» بكلمات «صاعد»، ويتذكر أمه وحبيبته فيحكى عنهما، وكيف أثرتا فى حياته، فحكى عن الأم التى وقفت بكل عنفوان لتعميمهم، وتخلق مستقبلهم بالكفاح والتحدى وعن «أميرة» حبيبته التى يحملها وردة ونجمة ولؤلوة تضيء أيامه، وظلام سجنه، حكى عن إخوته: أمل ونور وطاهر، استحضر ذكرى باقة الفراولة التى قدمها لأميرة، وحضوره عرس أختها، وكيف تقدم لأميرة خاطبا، ووافق والدها، تذكر باسما كمية الملح التى وضعتها أميرة فى فنجان قهوته فقال لها:

الفلسطينيون يعيشون كارثة إنسانية

إنه أجمل فنجان قهوة شربته بحياتى.
أشرقت نفسه، ويصور السارد ذلك فيقول: (وشعرت أن طوفانا من السعادة يجتاح كيانى، يحملنى إلى زمن آخر، ودنيا أخرى، هكذا حملنى الحب من الوجع إلى العسادة، وهكذا سرقت من فوهة الخطر، لحظة فرح تضمنى أنا وأميرة.
أصبح «صاعد» حكيم الزنزانة، طال سجنه خمسة عشر عاما، فتتلمذ على دروسه الوطنية مئات الأسرى، كان يناقشهم كل ليلة فى كتاب مهم، أو فكرة مؤثرة، فهو الذى يضم أبناءه الأسرى ليبث فيهم روح المقاومة، يذكرهم بعبارة لشكسبير يقول فيها: «لماذا نقبل أن نكون نتيجة لظروف معينة»؟
ولانعمل لخلق الظروف التى نريد.
ويذكرهم بقول مانديلا: (إن الإنسان الحر كلما صعد جبلا عظيما، وجد من ورائه جبالا أخرى يصعدها). كان «صاعد» يخاطب العقول والقلوب معا، ويؤكد لرفاقه المناضلين أن قوتهم فى الوعى والمعرفة والإدراك، والثقافة والعلم.
وهكذا اندفع «أوس» لتحصيل المعرفة، وقد أدرك معانى البطولة العميقة فى شخصية «صاعد» فيقول له: ما أصعب خيارك يا أبى الروحى، كان بإمكانك أن تبقى بين أسرتك وطنيا وموظفا، ولا تخوض غمار المقاومة من جديد، لكنك هزمت التردد، وأبحرت ضد التيار.

الأطفال أكثر الفئات المتضررة

سيدة الحب
وتبرز الرواية دور المرأة الفلسطينية فى حياة بلادها، وفى رعايتها لثوار الوطن فيقول «أوس» عن أمه: نتكور أنا وأخوتى بحضن سيدة الحب، وتحدثنا عن مشاكل الأيام وأن الخسارة الحقيقية هى أن تهزمنا همومنا.
بل تدفع «أوس» للدفاع عن وطنه وحريته قائلة: (حبى لك يزداد كلما أراك ملثما، تدافع عن أرضك، وتراب أجدادك، حتى لو أخذك الموت فشهادتك هى هوية الحياة لنا).
فيجيبها «أوس» بأن أباه الحقيقى سيكون هو وطنه، وهويته هى فلسطين، وهى أمه سيدة الحياة.
وتتوالد الحكايات داخل النص، فنعرف حكاية «عاصى»، يسأل «أوس» «صاعد» عن حقيقة بيع والد عاصى لأرضه وأسباب تركهم لقريتهم، وأرضهم، ورحيلهم مثل الغرباء إلى غربة لا ترحم، فتحكى له أنهم أرغموا على ذلك، فقد وقع والد عاصى توكيلا لأحد شركائه بطريقة مخادعة، وعندما حاول الأب بإقناع الشركاء بتوكيل محام عن جزء من أراضيهم التى أراد المخادع بيعها، خرج الملثمون على والد عاصى واتهموه بالعمالة وبيع الأراضى.
لكن «عاصى» لم يستسلم، وأصبح ناشطا فى العمل الوطنى، رمى كل الانكسارات على عتبة باب منظمة «فتح» التى جعلها هويته وميلاده ليخوض معركة الحياة، والنضال، واستشهد هو ومجموعة من النشطاء.
وأكد له «صاعد» أنه بحاجة إلى وعى يحلق به فوق الأزمات، فاستجاب «أوس»، وشرع يحكى لأبيه الروحى ظروف اعتقاله الأول، وكيف أصبح عضوا فى حركة فتح؟
أمير الحجارة
وتحت عنوان: «الحجر الأول والاعتقال الأول، كتب «أوس» فى روايته:
(لم أفارق أى نشاط وطنى، أو مسيرة احتجاج أو مظاهرة، وأعطى كل ما أستطيع لدرجة بات فيها غالبية المشاركين يطلقون عليّ لقب «أمير الحجارة» أو أمير الليل.
.. كان عمره وقتها الثامنة عشرة، حين اعترف عليه مجموعة من المعتقلين، وداهموا منزله، وتم اقتياده إلى مركز تحقيق (ابتاح تكفا)، حيث دخل إلى عالم آخر من المعاناة فيقول:
«تم تقييد يديه، ووضع ما يشبه النضارة على عينيه، واتهم بإلقاء الحجارة ضد دوريات الجيش الإسرائيلى، وإلقاء زجاجات (الملوتوف) على الشارع الرئيسى، ثم نقل إلى سجن (مجدو)، ثم إلى سجن «عكا» لمدة أسبوع سجن انفرادى دون أى سؤال سوى سماعى لأصوات صراخ، وأغان صاخبة، وما شابه، ثم تم نقلى من جديد إلى «بتاح تكفا»حيث تم إخضاعى لما يسمى بجهاز كشف الكذب».
واكتشف أثناء اعتقاله ما يبثه العملاء فى نفوس الأسرى فيقول «أوس»: (العملاء داخل الزنازين، وسعيهيم لتحطيم روحى المعنوية، وبأن الصمود مستحيل، وبأنهم سوف يأخذوننى إلى التحقيق السرى فى «عتليت»، وهو التحقيق العسكرى بلا ضوابط، لكن عيون أمى تحرسنى وصوتها يهز أعماقى، لتكون فى نظرى الخنساء تقول لى: لا تعترف لتكون بطلى الذى يهزم التحقيق والقيود).

قتيبة مسلم

معنى آخر للحياة
وحتى عندما أعادوه إلى سجن (مجدو) برز صمود «أوس»، وساعده الحلم والصبر على تجاوز محنته فيقول: كنت أسكن حلما وطنيا بديلا عن كابوس الليالى السوداء التى تجرعتها، وأحلم أن أعيش تجربة رواد النضال، الذين يتحولون إلى ما يشبه القديسين، لحياتهم معنى آخر، لكلامهم صدى مختلف، فأصابتنى رعشة من الأيام الأولى للاعتقال، حيث تركت وحيدا، كى أبنى نفسى بنفسى، روحى تحلق فى مشروعها، وأنا أغازلها وأحتويها).
مشوار الألم
وتبدو الأساليب الفنية التى استخدمها السارد، ومنها تقنية الحوار نابضة بالحيوية، على مدار الرواية، وخاصة حوار «أوس» مع «صاعد» وحواراته مع أمه، ومع حبيبته «أميرة»، ويكشف حواره المتواصل مع «صاعد» عن ظروف اعتقاله للمرة الثانية فيقول «أوس»: أنه تم استدعاؤه من أحد الأجهزة الأمنية بتهمة حيازة السلاح، والمشاركة فى مسيرة لصالح إضراب الأسرى عام 2017، وهنا يقول: أعلنت الإضراب عن الطعام لأننى لا أطيق الأكل فى زنزانة فلسطينية، توقعت أن تكون مصير العملاء وتجار المخدرات، والمخربين ضد القانون والنظام.
ويبث حزنه وألمه لصاعد فتنساب كلماته فى تدفق: تساؤلات عدة داهمت جوعى، ووحدتى، هل إلقاء الحجارة ضد المستوطنين، الذين يستبيحون دمنا وأرضنا جناية؟، وهل المشاركة فى مسيرة تضامنية لنصرة أسرى الحرية والبطولة تهمة جنائية ضد أمن الدولة؟ ولماذا، لا يتم التفريق بين السلاح الوطنى السرى، وبين أسلحة العصابات، والمافيات، وشلل الادعاء الوطنى؟
ثم عاد «أوس» إلى القيد، والزنزانة والتحقيق فى «ابتاح تكفا»، حيث داهم جنود الاحتلال منزله، ومنزل خطيبته «أميرة» وحطموا ما كانا يبنياه لعش حياتهما الزوجية قبل زفافهما بعشرين يوما.
وحاولت أمه الدفاع عنه فأصابتها الجراح، ونزفت جبهتها وبدأ مشوار الآلام الجديد.
سيد القيد
ويصف «أوس» فى روايته ما حدث له فى زنازين المحتل فيقول: (ف زنازين التحقيق، والقتل المبرمج لمحاولة سحق نفسية الأسير، عرضت عليّ مجموعة من صور الشباب المشاركين فى مظاهرة التضامن مع الأسرى، رفضت التعرف على أى مناضل، واستمر الشبح على كرسى، والتهديد النفسى باعتقال خطيبتى، وصمتى يهزم قيودهم أتحول إلى بركان يرفض الخضوع، يضعون اعترافات أسرى آخرين أمامى، حجارة ومظاهرات، ومظاهرات وسلاح وأرفضها، وأبقى سيد القيد، لمدة ثمانين يوما حيث فشلوا وانتصرت). ثم نقلوه إلى سجن (مجدو) من جديد.
وفى السجن تعرض «أوس» لإهمال طبى، فلم ينقل إلى المستشفى إلا بعد وقت طويل من شكواه، حيث أجريت له جراحة، لا يدرى طبيعتها، ولم يدرك منها سوى قسوة الألم، فيقول له «صاعد»: (سيبقى جرحك وجراح من سبقوك، وألمك شاهدا على جريمة لا تتوقف ضدنا كل يوم).
زنزانة مجنونة بحرق الأحلام
ثم يصف «أوس» ما جرى من أحداث داخل السجن بسبب هتافات الأسرى للمطالبة بعلاجه، وطرقهم على أبواب غرف السجن فيقول: (قوات الاحتلال تطلق على أجساد الأسرى طلقات من نوع خاص، وعبوات من الغاز المسيل للدموع، وكلاب مسعورة، ويقول لهم جنود الاحتلال: أكدنا لكم بأن الاحتجاج ممنوع، والصراع ممنوع، والسهر ممنوع، وطرق الأبواب ممنوع، هكذا تحدث ضابط الأمن المسئول عن عملية القمع).
ثم يحدث الاشتباك من جديد بين الأسرى الذين لا يملكون أية أسلحة، وبين القوات الخاصة، ويتم نقل «أوس» إلى زنزانة السجن بدلا من أن ينقل إلى العيادة.
ويصف «أوس» فى روايته التى كتبها داخل سجن جلبوع المركزى تلك الزنزانة التى اعتقل بداخلها فيقول: فى زنزانة مجنونة فى حرق الأحلام، ترفض أن ترى الأسير واقفا أو مغنيا أو مبتسما، ولأنها محكمة الإغلاق، مجنونة فى حرق الأحلام، فقد تفنن السجان بعمل حلقات حديدية، مربوطة بالسرير، حتى يتم تقييد الأسير بها، فيقول لرفاق نضاله: «لنهزم هذه الزنزانة بأكثر من حبيبة).
أما «صاعد» فلقد مارس قدرته على المقاومة عن طريق المقاومة عن طريق الإضراب عن الطعام فيصفه «أوس» فى روايته: «صبر جوعاً اثنين وأربعين يوما، خاض هذه المعركة معركة الحرية والكرامة بعد أن هزم السجان سابقا فى أحد عشر إضرابا عن الطعام منذ عام 1984، تحول الجسد إلى سلاح نووى، والإرادة الحرة العزلاء إلى طائرة خارقة، من زنزانة لأخرى، ومن تفتيتش لآخر، ومن قمع لآخر، ومئات الأسرى صابرين على جوعهم لأجل إنجاز حقهم فى الحد الأدنى من الحياة الحرة الإنسانية الكريمة.

صمت المجتمع الدولى وصمة عار فى جبين الإنسانية

الصعود إلى الشمس
وتتواصل جهود «صاعد» فى دعم الروح المعنوية للأسرى فيختار أن يلقى عليهم الأشعار التى تثرى السرد بروح الشعر، والمقاومة، فيروى «صاعد» من أشعار عبدالله الصيخان «اصعد يا حبة قلبى اصعد/ ستلاقى رهبطا يسترقون السمع على درجات الكون/ فحادثهم/ اسمع ما يعطيك مفاتيح الأشياء/ وما يمنح ساقك فى الريح مدي/ ويديك نهار/ هذى آخر عبتات الكون الكامل/ أنت الآن على لهب منها فادخل/ وتيممم بنار وصل / تأمل ما حولك/ زواج بين الرمل وبينك/ بين النار وبينك/ بين الماء وبينك/ وادخل فى جدل الأشياء/ أنت الآن ترى».
حب ووفاء
وتتوج الرواية بموقف «أميرة» التى آثرت انتظار «أوس» مهما طالت مدة اعتقاله فيقول لها «أوس»: (ربما سأحكم لمدة تسع سنوات، وسوف يكون المستقبل مجهولا أمامنا، لا أريد أن أظلمك معى، وأضعك معى فى زنزانة، وأريدك أن تفكرى قبل أن تتخذى أى قرار، وأن تسألى والدك وعمتى، وإخوتك.
فكادت أن تسقط مغشيا عليها، بكت فى آخر خمسة دقائق متبقية فى زيارته وعاتبته بشدة: هل تسأل الكريمة عن الوفاء والحب والكرم؟ فخجل من سؤاله، وأصرت على موقفها مؤكدة:
أهلى من هذا الوطن لا يتدخلون بنا، أنا أريدك، وسأبقى، وسأصبر معك، المهم أن تعتنى بصحتك.
وهنا تبدو شجاعة المرأة الفلسطينية وصمودها ووفاؤها، ودعمها المعنوى العميق للمناضلين، مهما تكبدت من معاناة وانتظار.
.. هذه الرواية كما يصفها الشاعر المبدع مراد السودانى الأمين العام لاتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين بأنها (السردية الأليمة المعشقة بالنضال والتضحية والفداء).
وقتيبة مسلم هو أقدم أسرى مدينة «نابلس» وقد اعتقل من قريته «تلفيت» شرقى نابلس فى 15/11/2000، وكان عمر ابنه البكر تسع سنوات، تزوج وأنجب ووالده فى الأسر.
وتبقى روايته «زنزانة وأكثر من حبيبة» من أهم مدونات الأسرى الأبطال، الذين مزجوا كتاباتهم بروح النضال والمقاومة، وتلك القدرة الفريدة على اعتصار التجربة الإنسانية، والصعود إلى الشمس لتحرير الحلم وعناق الوطن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.