قبل أكثر من عام على موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ترتفع وتيرة الحملات الانتخابية والمواقف السياسية للتحضير للسباق الرئاسى الأمريكى، فى الوقت الذى تتعقد فيه أزمة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، رغم كونه المرشح الأكثر جماهيريةً على الساحة الأمريكية فى الوقت الحالى. ومع استمرار محاكمة ترامب فى قضية «مارالاجو» إخفاء الوثائق السرية، يبدأ كل مرشح رئاسى فى الإعداد لحملته الانتخابية. وتبدو حملة جو بايدن هى الحملة الانتخابية الأضعف، بسبب أزمة الديون الأمريكية، وتراجع الهيمنة الأمريكية فى العالم، بالإضافة إلى التقدم الذى تحرزه إيران على أمريكا سياسيًا وأمنيًا واستخباراتيًا، فضلًا عن تقدم بايدن فى العمر، واعتباره غير قادر على تولى مهام الرئاسة فى هذه السن. «العفو عن ترامب».. وهو ما تطرقت إليه صحيفة «ذا هيل» الأمريكية، بالرغم من أن بايدن لم يطرح هذا الأمر من قبل. فضلًا عن أن تقديم ترامب طلبًا بالعفو الرئاسى عن التهم الواردة فى لائحة الاتهام التى أُصدرت فى 9 يونيو الماضى، سيكون أمرًا صعبًا تلبيته، بعد هجومه على بايدن وهيلارى كلينتون ومايك بنس متهمًا كلًا منهم بإخفاء وثائق سرية، لاسيما انتقادات الحزب الديمقراطى لبايدن حال قبوله لهذا الطلب. لذا سيكون العفو احتمالًا بعيدًا، ولكنه يمكن أن يظل حيلة سياسية ذكية سيضطر بايدن أن يلجأ إليها كورقة أخيرة إذا فشلت محاولاته فى استعادة شعبيته ليتولى فترة رئاسية ثانية. فى تقريرها قالت «ذا هيل» الأمريكية، إن هناك تسعة أسباب لكى يعفو بايدن عن ترامب: أولها ما تشير إليه الأسبقية التاريخية فى أعقاب قضية «ووترجيت» إلى أن العفو سيكون أفضل نتيجة لمستقبل السياسة الأمريكية، وهو ما حدث فى 9 أغسطس 1974، حين استقال «ريتشارد نيكسون» من الرئاسة فى 8 سبتمبر بسبب أكبر فضيحة سياسية فى تاريخ أمريكا «ووتر جيت»، وهى عملية سرقة فاشلة قام بها مسئولون بالبيت الأبيض، وكان هدفها الحقيقى زرع أدوات تجسس والتقاط صور لوثائق داخلية بحثًا عن معلومات تورط خصوم نيكسون، حينما كانت تمر أمريكا بانتخابات رئاسية، فاز فيها «جيرالد فورد» الذى أصدر فيما بعد عفوًا رئاسيًا عن نيكسون. كانت هذه البادرة من فورد سببًا فى تقليص حدة التوتر من تداعيات فضيحة «ووترجيت»، واستطاعت واشنطن أن تمضى قدمًا، بالرغم من إصرار نيكسون على براءته من التهم الصادرة بحقه، إلا أن العفو أنهى المخاطر القانونية للقضية، مع اعترافه بعدم قدرته على التعامل مع الموقف. ثانيًا: لم يسبق تاريخيًا أن يقاضى رئيس أمريكى خصمه المحتمل فى الانتخابات الرئاسية، ومن المؤكد أن الجمهوريين سيستخدمون محاكمة ترامب ضد بايدن، باعتبارها محاولة غير نزيهة لإبعاد الخصم، واستخدامًا للسلطة لتحقيق فوز غير مستحق بالانتخابات، وسيلى ذلك مطالب بالتشكيك فى شرعية الانتخابات حال فوز مرشح آخر غير ترامب، وربما إعادة الانتخابات الرئاسية، بينما سيعم الشارع بأحداث الفوضى، لكن «العفو» سيفسد خطة الجمهوريين ويعزز من موقف بايدن. ثالثًا: سيبدو بايدن رحيمًا، لتصحيح الصورة التى فشلت حملته فى تصديرها للشعب الأمريكى، فظهر وجه رئاسى ضعيف، مرتعش، ومرتبك بين الناخبين المستقلين، لكن العفو سيكون بمثابة لفتة سخية صادمة، تغطى على صورته المرتبكة فى أذهان الأمريكيين.
رابعًا: سيحل «العفو» أزمة أخرى تلوح فى أفق القضاء الأمريكى «المسيس» كما يقول عنه ترامب والمعارضة الأمريكية، وهى ازدواجية المعايير. فهناك اتهامات تلاحق بايدن بشأن احتفاظه بوثائق سرية تتعلق بالأمن الأمريكى فى مكتبه بجامعة بنسلفانيا ووثائق أخرى فى مرآبه بالقرب من طائرته كورفيت، وهو نفس جُرم ترامب، فلماذا الكيل بمكيالين؟ خامسًا: يشعر الأمريكيون بالقلق حيال تجاوزات الأجهزة الأمنية الفيدرالية، وازدياد نفوذها وتدخلاتها فى الشأن السياسى، وهو أمر سيلجأ إليه دفاع ترامب فى المحاكمة، بحجة أنها اتهامات ذات دوافع سياسية، وسواء كان لذلك تأثير فى إثبات براءة ترامب أم لا، سيكون مؤثرًا قويًا على الناخبين. سادسًا: ستتحول محاكمة ترامب إلى قضية رأى عام، وسيستغل الرئيس الأمريكى السابق كل يوم يسبق الانتخابات الأمريكية، فى كشف فساد جو، وفساد القضاء الأمريكى، ووزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالية، وستضج وسائل الإعلام العالمية، بتصريحات ترامب وبقضايا الفساد المتورط فيها بايدن ونجلاه، بشكل أو بآخر سيسحب ترامب خصمه معه إلى الجحيم، ولن يكون لبايدن أى فرصة فى الفوز. هنا ستتجلى حاجة بايدن للعفو عن ترامب، كى يشترى صمته، وفى حال عدم صمته، لن يكون لكلامه تأثير على اختيار الناخبين، سيسحب البساط من تحت أقدام ترامب دون سابق إنذار وسيجذب الأضواء عن أنباء المحاكمة. سابعًا: وعلى عكس الرئيس بايدن الذى سيبدو شهمًا فى عفوه عن ترامب الذى سيبدو ضعيفًا، فالأبرياء لا يحتاجون إلى العفو، سيكون ذلك دليل إدانته، وهو ما عاناه «نيكسون» بعد عفو «فورد» عنه، قائلًا: إن العفو سيجعله يبدو مذنبًا عندما أراد أن تثبت براءته للجميع. ثامنًا: من المعروف أن ترامب مقاتل، سيرفض عفو بايدن، سيرغب فى الدفاع عن نفسه أمام المحكمة والرأى العام، سيحرمه العفو هذه الفرصة، وبالرغم من ذلك سيضع بايدن خصمه فى موقف صعب، إما أن يفقد فرصته فى الدفاع العام بسبب كرم خصمه، أو المخاطرة بالمحاكمة واحتمالات ثبوت الإدانة ودخول السجن. تاسعًا وأخيرًا: أمضى الديمقراطيون سنوات فى محاولة تدمير ترامب، وتعرضوا للهزيمة فى كل مرة، وسيكون الحزب الديمقراطى غاضبًا إذا أفلت ترامب من براثنهم من خلال عفو بايدن.
لكن استطلاعات الرأى التى أجراها بايدن مع المستقلين تثبت انعدام فرصة المرشح المستقل، وهو نفس السيناريو فى الانتخابات الرئاسية السابقة، ولهذا السبب لم يجازف بايدن واستعان بالديمقراطيين الذين حاكوا مؤامرات عدة ضد ترامب لتكون الهزيمة من نصيبه، على حد قول صحيفة «ذا هيل». يبقى من الناحية السياسية، بايدن فى موقف ضعيف جدًا، وفى هذه الفترة المتأخرة من ولايته، وقد يكون تقديم العفو لترامب خطوة غير متوقعة تغير آراء العديد من الناخبين عنه. وتشير استطلاعات الرأى التى أجراها بايدن إلى أن أمريكا تسير فى الاتجاه الخاطئ، لكن العفو عن ترامب قد يكون بمثابة التحول الذى يحتاجه لاستعادة مسار الديمقراطية، وإثبات أن نجاحه بالانتخابات السابقة كان نجاحًا مستحقًا وأنه لم يصعد على أكتاف متطرفى الحزب الديمقراطى الذين جاهدوا لإسقاط ترامب.