كان يقف بجوار أبويه.. وفجأة سقط بجانبهم في بركة من الدماء في بلكونة المنزل متأثرا برصاص القناصة في الثالثة فجرا يوم السبت.. ما أصعبها لحظات أن تري ابنك يموت أمام عينك غدرا فهي لحظات عصيبة تمر كالدهر إنه حقا مشهد مأساوي يصعب علي الإنسان وصفه أو كتابته، فبأي ذنب قتل وبأي جرم ارتكب. إنه الشهيد محمد أحمد عزالدين محمد الطالب بالفرقة الثالثة بكلية التجارة جامعة عين شمس، يصف لنا والده أحمد عزالدين الساعات الأخيرة لابنه قائلا: محمد شاب رياضي استيقظ يوم الجمعة لكي يذاكر استعدادا لامتحانه الذي كان مقررا يوم الأحد 31 يناير وأدي صلاة الجمعة وجلس مع جدته التي تسكن في الدور الثاني من البيت الذي يعيشون فيه بإحدي الحارات الضيقة والتي لايزيد اتساعها عن 5 م في شارع عشرة بمنطقة الوايلي الكبير في حي حدائق القبة وفي هذا الوقت كانت المظاهرات تسير بشكل سلمي في الشوارع مع عدم تواجد سيارات الأمن المركزي التي اعتادت أن تقف بجانب قسم الحدائق. وأثناء مرور المظاهرات كانوا يرددون شعارات «انزل... انزل» وغير ذلك من الشعارات المطالبة بالتغيير ومر اليوم، ونحن داخل منزلنا وبدأنا نتابع أحداث التحرير في التليفزيون واقترب منتصف الليل وكان محمد وإخوته نائمين وذهبنا إلي البلكونة عندما سمعنا بعض الأصوات، وكانت أعمدة الإنارة بالشوارع والحارات مطفأة، وهذه لم تكن صدفة، ولكنها كانت مقصودة حيث بدأ الضرب بالرصاص الحي بشكل عشوائي، وخرجنا أنا وزوجتي إلي البلكونة عندما سمعنا أصوات ضرب الرصاص، وحينئذ استيقظ محمد من النوم وكانت عقارب الساعة تقترب من الثالثة فجرا ورأنا واقفين في البلكونة وقال محمد لأمه «خالي بالك عشان الرصاص ما يجيش فيكي» وكانت هذه آخر كلماته لأمة وفجأة أصيب محمد بالرصاص في ذراعه اليمني وهو واقف بجوار أبيه وأمه. ويقول والده أحمد، والذي التقينا به داخل منزله إنني عندما رأيت ابني هكذا صرخت بأعلي صوتي أنا وأمه.. فأكبر أبنائي ضرب برصاصة قناصة وهو يقف بجانبي وحملته علي كتفي لأدخله إلي الصالة. وابني ينزف دما وإخوته الثلاثة وأمه منهارة من شدة خوفهم عليه، وركبنا سيارة لنتوجه إلي مستشفي كوبري القبة العسكري، ثم انتقلنا إلي مستشفي المعادي العسكري ومن خلال سيارة إسعاف مجهزة لعدم وجود أوعية دموية في المستشفي الأول. ويقول والده إن محمد كان مازال واعيا ويقول كلمة واحدة «عايز أنام علي جنبي» عندما تم نقله في سيارة الإسعاف لمستشفي المعادي وكنت أظن في بداية الأمر أن الرصاصة في ذراعه، ولكن أدركت بعد ذلك بأن الرصاصة وصلت من ذراعه إلي ظهره ثم إلي النخاع الشوكي في الفقرة السادسة والسابعة بالظهر لتسبب له شللا رباعيا.. أهذا يصدقه عقل؟ شاب في العشرينيات يصاب بشلل رباعي برصاصة، ويحاول والده أن يتماسك ليكمل حديثه ويقول لقد دخل ابني المستشفي فجر السبت التاسع والعشرين من يناير للفظ أنفاسه في السادس من فبراير أيام قاسية عشناها أنا ووالدته. ولقد استطعنا رؤيته 3 مرات فقط خلال فترة وجوده بالمستشفي وتتحدث ووالدته معي وهي تبكي لقد رأيته في غرفته بعد خروجه من العناية المركزة وسألته ما الذي يشعر به فقال لها «الحمد لله» وسألها «هل أنت راضية عني» فأجابته «بأنني راضية عنك كل الرضا» وسألني «بابا راضي عنه» وقلت له أيوه. وقال لي المهم أنكم راضين عني. وكنت أحاول أن أتماسك أمامه بصعوبة فما أصعبها لحظات عندما تري ابنك الكبير راقدا أمام عينيك يتألم وفي داخل جسمه رصاصة وأنت تقف عاجزا أمامه لا تستطيع أن تقدم له شيئا، ولقد سألته هل تصلي فقال لي نعم حتي إن الممرضة ذكرت لي بأنه يسألني دائما عن مواعيد الآذان وأخذت أم الشهيد تردد « حسبي الله ونعم الوكيل» عدة مرات وهي تبكي بشدة وتقول لي « حرام إللي حصل لأبنائنا ، ناس مالهومش ذنب اتقتلوا» فهناك 68 قتيلا في دائرة حدائق القبة والرصاص الحي تم ضربه بشكل عشوائي علي المارة وعلي الناس في البيوت وعلي الأسطح والبلكونات والرصاص يضرب في أماكن محددة بالجسم مثل الصدر والرأس. ويقول مصطفي أحمد عز الدين شقيق الشهيد إن أخي محمد قال لي كلمة واحدة أثناء زيارته في المستشفي «إنت اللي بعدي خالي بالك من ماما وبابا ومريم ومعتز». ويستكمل الأب قائلا إنني قمت بدفن ابني بدون تصريح دفن وعانيت الأمرين لاستخراج تصريح، حيث رفضت الجهات كتابة سبب الوفاة طلق ناري ويتهم الأب مأمور قسم حدائق القبة بأنه علي رأس من دبروا مذبحة حدائق القبة وقتل 68 شهيدا بدون أي ذنب، وقالت وهي تنزف دموعه أتمني أن يتم إعدامه في ميدان عام لأنه حرق قلوب أمهات كثيرات علي أبنائهم أما الأب، فقال أريد أن يتعذب يوما بعد يوم بما يحدث له الآن وأن يموت تدريجيا. وقال إن الرصاص الحي لو تم ضربه من عسكري جاهل فهو مسئول من وزير الداخلية، والذي هو مسئول من رئيس وزراء ورئيس دولة وكلهم فاسدون.