كانت لحظة صادمة وقاسية، لكل من يقدرون القيمة الأثرية لهذا الملك الفرعونى فى العالم، وهم يتابعون بيع رأس الملك توت عنخ آمون، فى صالة دار كريستيز للمزادات فى لندن، حيث تم بيع رأس الملك الشاب بحوالى أربعة ملايين جنيه إسترلينى، لشخص مجهول رفضت الدار الكشف عن هويته مثل ما رفضت المطالبات الرسمية المصرية بوقف المزاد وإعادة الرأس الأثرية المسروقة منذ السبعينيات. ورغم مطالبات الجهات الرسمية المصرية لدار كريستيز بوقف عملية البيع غير القانونية إلا أن البيع تم فعلا وسط تحدٍّ صريح من قبل دار المزايدات لكل ما قدمته الحكومة المصرية من إثباتات حول خروج رأس توت عنخ آمون بشكل غير رسمى من مصر، حيث تم سرقته وتهريبه فى السبعينيات من القرن الماضى، كذلك لم تُجدِ مطالبات كل من وزارة الآثار المصرية والخارجية اليونسكو، بالإضافة إلى المطالبات التى تم تقديمها للنائب العام البريطانى لوقف عملية البيع منذ الإعلان عنها الشهر الماضى، وتساءل البعض: هل من الممكن أن يخلق ذلك أزمة دبلوماسية بين مصر وبريطانيا فى الوقت الذى أكد فيه المختصون أنه قبل قانون 1983 كان متاحا بيع الآثار المصرية وخروجها للخارج بل وتقديمها كهدايا! يذكر من كتبوا تاريخ الفراعنة أن توت عنخ آمون هو أحد فراعين الأسرة 18، توفى فى سن مبكرة جدا، وهناك العديد من الأبحاث التى تؤكد تعرضه للاغتيال على يد وزيره الذى تزوج أرملته من بعده، حيث تم العثور على آثار كسور فى عظمتى الجمجمة والفخذ ويعتبر توت عنخ آمون هو حاكم فرعونى فى عصر النهضة والازدهار. تم العثور على مقبرة توت عنخ آمون كاملة بمقبرة الملوك بالأقصر عام 1922 من القرن الماضى على يد مكتشف إنجليزى، وكانت المقبرة كاملة لم تتعرض لأى سرقة أو نهب، و بها أكثر من 5000 قطعة ذهبية بالإضافة إلى أشياء الملك كلها التى دفنت معه وكانت المقبرة كلها من الذهب الخالص لذلك يرجع العلماء أهمية الملك الصغير توت عنخ آمون الذى دفنت معه ألعابه وألواحه التى كان يرسم عليها!، لذلك يرجع اهتمام العالم بالملك توت الذى حكم مدة عشر سنوات وتعتبر هذه المدة قصيرة فى حكم الفراعنة. ويذكر أنه منذ أن تولى الحكم أعاد العبادة لآمون، بعد أن كانت لآتون، وأعاد المعابد المغلقة إلى الحياة وسمى نفسه توت عنخ آمون! ذهبنا إلى د. زاهى حواس العالم الأثرى الكبير ووزير الآثار الأسبق لنستوضح منه ماذا حدث وكيف وصلت هذه القطعة الأثرية المهمة إلى دار المزايدات!؟ أكد حواس أن رأس توت عنخ آمون خرجت من مصر بعد عام 1970 حسب المعطيات المتوفرة وقال: «من حق مصر أن تستعيد رأس توت عنخ آمون حسب اتفاقياتها مع اليونسكو وحتى اليوم، ولم تقدم دار كريستى أى أدلة قوية عن الطريقة التى حصلت من خلالها على رأس التمثال أو أدلة تؤكد خروج التمثال بطريقة قانونية والحقيقة لقد أعلنت من خلال قناة «سى إن إن» أن يوم بيع رأس التمثال الملك المصرى توت عنخ آمون هو يوم أسود فى تاريخ الآثار، لأن هذا الملك هو ملك الملوك وفى عهده كان ازدهار وتوسع مصر الفرعونية وشىء محزن للغاية أن هذه الرأس المهمة مصريا وعالميا والتى كنا نبحث عنها منذ فترة طويلة تخرج من مصر وتباع بهذه الطريقة وفى النهاية ستذهب لثرى عربى أو أجنبى، وأنا حزين لأن كل جهودنا الدبلوماسية لم تستطع إعادة الرأس إلى مصر. أضاف حواس: «قلنا من قبل أنه لو تم عودة رأس توت عنخ آمون إلى مصر كنا سنعرضها فى المتحف الدولى فى باريس الذى هو مقام حاليا ومن بعده فى المتحف البريطانى قبل عودته إلى المتحف المصرى كلها خطط كنا نخطط لها لو استجابت لنا اليونسكو أو النائب العام البريطانى، حيث أرسل لهم د. خالد العنانى خطابا يطالبهما بسرعة وقف المزاد العلنى غير القانونى ولكن للأسف لم يستجب أى طرف من الأطراف، وعودة هذا التمثال يطبق عليها القانون الذى كان يخص الآثار التى تخرج خارج مصر بعد عام 1972 وهو وقت خروج التمثال، وقد طلبنا من دار كريستيز للمزايدات أن تفصح عن المالك الأصلى الذى أخذت منه التمثال فذكرت أنه ثرى ألمانى ثم اكتشفنا أن ورثة الرجل لا يعلمون أى شىء عن هذا التمثال، أو إن كان فعلا هذا الرجل الألمانى يملكه بشكل قانونى أم لا! وقال: «لا أستطيع سوى أن أقول إننا لن نسكت على الإطلاق ولقد قمت بإنشاء اللجنة القومية للآثار المسروقة وهى تابعة لوزارة الآثار وبالفعل نجحت اللجنة فى استعادة أكثر من 6000 قطعة أثرية مسروقة من مصر منها رأس نفرتيتى فى برلين وحجر رشيد فى بريطانيا.. وغيرها الكثير، لأن آثارنا المصرية شأنها شأن أى آثار فى العالم يتم سرقتها وخروجها بشكل غير رسمى منذ سنوات طويلة، وأعتقد أن لصوص الآثار ساعدوا فى تهريب رأس توت عنخ آمون من الأقصر وتحديدا من معبد الكرنك إلى خارج مصر لأنه من الممكن أن تسرق الآثار من المخازن ولدينا أدلة على هذه السرقات وممكن طبعا تتسرق الآثار المصرية من القبور أيضا وهو ما اكتشفناه فى متحف اللوفر الفرنسى، حيث وصل إليه قطع أثرية بالغة الأهمية بطرق غير قانونية وقمنا باتخاذ الإجراءات اللازمة لعودتها إلى مصر مرة أخرى، وصالة عرض كريستيز للمزادات فى لندن لها مواقف سيئة معنا من قبل، وليست هذه هى المرة الأولى، التى يخفون فيها الحقائق عنا ولا يبوحون ممن أخذوا هذه الرأس لأشهر ملوك مصر ولا لمن باعوها!؟ ورغم أننا اتفقنا من قبل مع غالبية صالات العرض العالمية على بروتكولات معينة تحفظ حق كافة الأطراف إلا أن صالة العرض البريطانية لا تلتفت لأى أصول أو قانون! وأوضح أن هناك لجنة سوف تجتمع وتدرس الأمر لتخرج بقرار، ولن أعول كثيرا أن نلجأ إلى رفع قضية دولية لأن مثل هذه القضايا تكلف وزارة الآثار مبالغ طائلة وترهق ميزانياتها وبالتأكيد سيكون هناك قرار حاسم من قبل وزارتى الآثار والخارجية المصرية، وحتى يعلم الجميع كانت هناك احتجاجات أمام صالة العرض بلندن من قبل الجالية المصرية فى بريطانيا والتى انضم إليها الكثير من البريطانيين الذين يقدرون قيمة توت عنخ آمون الملك الشاب الذى لديه شهرة عالمية واسعة، والجميع كانوا فى حزن شديد أن تؤول رأس الملك توت إلى خزانة شخص ويحرم الملايين حول العالم من رؤيتها فى متاحف الدنيا!!