ملابس البحر والشواطئ والألعاب البحرية وتجمع الأهل والسهر والاستمتاع بالكافيهات المفتوحة، والفنادق، والكورنيش والتجول والتسوق، والتعارف بين الناس فى أماكن على البحر، و....و,.. كلها مفردات حديثة لم يعرفها المصريون سوى من سنوات ليست بعيدة، فمتى بدأ المصريون يعرفون فكرة المصيف ويمارسون طقوسه التى أصبحت من تقاليد الصيف وعاداته. يقول أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة، محمد عفيفى: لا يوجد تاريخ محدد معروف لبداية معرفة المصريين بالمصيف، لكنهم كانوا دائما ما يبحثون عن الهواء البحرى أو هواء الشمال، وهى عادة قديمة، وكان الملوك والأمراء يقضون الصيف فى مبنى أو قصر فى الريف أو فى مدن ساحلية، يتمتع بمرور هواء الشمال عليه، وتخلله لغرفه وشرفاته الكبيرة، للاستمتاع بهذا الهواء ونسماته العليلة فى شهور الصيف. فالمعروف أن محمد على باشا بنى قصر شبرا «الكائن الآن بجانب كلية زراعة عين شمس بشبرا الخيمة»، ليكون منتجعًا ريفيًا له ولأسرته فى الصيف، كما شيد أبناؤه «قصر النزهة» الذى أصبح فيما بعد مدرسة التوفيقية بشبرا، ليكون منتجعًا ريفيًا يقضون فيه الصيف. كما يربط د. عفيفى بين انتشار فكرة المصيف فى القرن ال19، وبين فكرة الفندق والوكالات التى كانت قد بدأت تنتشر وتبنى فى الإسكندرية وبورسعيد وغيرهما من مدن السواحل، مع انتشار حركة التجارة والسياحة فى العالم، وزاد من انتشارها الرواج الذى أحدثته حركة مرور السفن فى قناة السويس. ومع زيادة الثروات فى أيدى الطبقة الوسطى ومزارعى القطن خلال فترة رواجه، بدأت هذه الأسر تفكر فى سكن هذه الفنادق خلال فترة الصيف، ولو لأيام قليلة للاستمتاع بالهواء العليل بجانب البحر. وكان المعروف أيام الملك فاروق ومن قبله فؤاد، أنه كان ينقل أعماله وأعمال الحكومة بأكملها إلى المقر الصيفى بالإسكندرية، فكانوا ينتقلون للإقامة هناك. وكان الأجانب الذين سكنوا الإسكندرية من الأرمن واليونان والإيطاليين قد أثروا فى شكل وعادات المصيف، كما عاهدوها فى بلدانهم، مثل المطاعم التى تطل على البحر، والكافيهات المفتوحة على الشارع ذات التندات، وكأننا فى جزيرة صقلية الإيطالية أو فى إحدى جزر اليونان، كما علموا المصطافين السباحة والرياضات والألعاب المائية، وملابس البحر. وكان لمدينة رأس البر طبيعة جغرافية خاصة وهى التقاء النيل بالبحر، فاشتهرت كمصيف فى الثلاثينيات والعشرينيات، ويقصدها الأمراء والطبقة الأرستقراطية، كما تحكى السيدة أم كلثوم فى ذكرياتها. بداية الشواطئ ويرى أستاذ الآثار بجامعة القاهرة مختار الكسبانى، أن فكرة المصيف بدأت فى عهد محمد على، الذى اهتم بتطوير مدينة الإسكندرية القديمة، وضاعف مساحتها نحو ثلاثة أضعاف القديمة، وأنشأ مصايف متخصصة من منطقة الشاطبى وحتى المنتزة، لأن شكل هذه المنطقة جغرافيًا على هيئة خلجان، ففرشها بالرمل، لتضاهى الشواطئ الأوروبية، ومن هنا بدأ ما يسمى ب«سياحة التصييف». كما شق الطرق فى مدينة الإسكندرية الجديدة التى تبدأ من ميدان المنشية وحتى المنتزة، بحيث تصب الشوارع الطولية والعرضية على الكورنيش، بينما كان ما يميز المدينة القديمة الشرقية التى تنتهى حدودها عند ميدان المنشية، الطرق الشبكية. ومن المعروف تاريخيًا كما يقول الكسبانى، إنه قبل أن يبدأ اهتمام محمد على بالإسكندرية، كان معظم سكانها قد بدأوا فى تركها إلى منطقة رشيد، بحثًا عن العمل والتجارة وهروبًا من زيادة نسبة الملوحة فى مياه الإسكندرية، ولهذا أنشأ محمد على ترعة المحمودية التى تبدأ من القناطر الخيرية إلى الإسكندرية، إلى جانب إنشاء المصانع، ليعيد جذب السكان إلى الإسكندرية. مصايف ثورة يوليو «الشعبية» ويشير المؤرخ الكبير عاصم الدسوقى، إلى أن المصايف والبلاجات انتشرت بعد ثورة يوليو لتصبح مصايف شعبية، بعد أن كان الملك يسيطر على ساحل البحر من المنتزه وحتى رأس التين، فكان حكرًا على الملك والباشوات والأعيان، ليصبح متاحًا للجميع من طوائف الشعب. وبالمثل تحول رأس البر إلى مصيف شعبى، وانتقلت فكرة المصيف إلى التنزة على كورنيش النيل، باعتباره نوعًا من التصييف، وهنا يتذكر الصاغ مجدى حسنين، مسئول البلدية ومؤسس مديرية التحرير، فى أوائل الخمسينيات، الذى مهد كورنيش النيل فى القاهرة، ليصبح متاحًا للمارة، بعد أن كان حكرًا على قصور الباشوات والسفارات. لكن الأمور تبدلت فى السبعينيات، عندما بدأت الدولة تخصص أجزاء من كورنيش الإسكندرية وكورنيش النيل لبعض النقابات وغيرها، واستمرت هذه الأوضاع تتسع حتى الآن، لتضيق مساحة استمتاع الناس ب«الكورنيش فى القاهرة وباقى المدن وبالبحر فى السواحل» شيئا فشيئا. •