قد لا يعرف الكثيرون أن قطر الندى التى تتغنى بها البنات، حين ينقلن جهاز العروسة إلى بيتهن الجديد، هى شخصية حقيقية، ولزواجها قصة سياسية، وأن جهازها ظل يتحاكى به الناس فى أرجاء الدولة العباسية كلها، ولسنوات طويلة، حتى صارت حنة قطر الندى، أغنية شعبية يغنيها البنات فى أرجاء مصر ودول أخرى. ومن تلك الأغنية الشعبية وقصة قطر الندى، كتب مرسى جميل عزيز، الأغنية الشهيرة التى غنتها شادية ولحنها بليغ حمدى. تقول الدكتورة فايزة الوكيل، أستاذ الفنون بكلية الآثار جامعة القاهرة، فى كتابها «الشوار.. جهاز العروس فى مصر»، إن قطر الندى، هى أسماء بنت خمارويه بن أحمد بن طولون، أمير مصر فى الخلافة العباسية، وهى من شهيرات النساء عقلا وجمالا وأدبا. تزوجها الخليفة المعتضد العباسى، الذى كان يعيش فى بغداد، مقر حكم الدولة العباسية، ولهذا الزواج قصة طويلة. اخطب لبنتك يروى القصة المؤرخ المسعودى، أنه فى عام 279 هجرية، 893 ميلادية، قدم مبعوث خمارويه للخليفة المعتضد، «ابن الجصاص» محملا بهدايا وأموال كثيرة، وعرض على الخليفة تزويج ابنه المكتفى، لابنة خمارويه. وهنا رد المعتضد، هو أراد أن يتشرف بنا، وأنا أزيد فى تشريفه، أنا سأتزوجها. وكان عمر قطر الندى فى ذلك الوقت عشر سنوات، وأجل حفل العرس حتى تبلغ الفتاة 12 عاما، فى عام 282. وتشرح الدكتورة فايزة، المغزى السياسى من هذا الزواج قائلة: إن الخليفة العباسى المعتضد، عندما أخمد ثورة على بن محمد فى البصرة، وجه جيوشه نحو الأطراف القوية، التى يخشى أن تستقل عن الدولة عن الخلافة العباسية، ومنها مصر. هنا خشى خمارويه من هذا التحرك العسكرى، فبادر بطلب نسب الخليفة المعتضد، وتقديم الهدايا والتحف، عبر التاجر البغدادى «الجصاص». ويحكى المقريزى فى خططه، أن هذه الهدايا احتوت على عشرين حملا من البغال محملة بالمال، وعشرة خدم بدوابهم، وثياب فاخرة، وعشرين فارسا ومعهم خيولهم، المسرجة بالفضة، و17 دابة، سروجها من الذهب والفضة، وغيرها. المهر والجهاز ويقول المؤرخ المقريزى إن مهر الخليفة المعتضد لعروسه قطر الندى، بلغ مليون درهم، وعطر وطيب من الصين والهند. أما والد العروس «خمارويه» فقد جهز ابنته، بما حكته الأجيال من كل مايتخيله الناس، فقال المقريزى «أخذ فى تجهيز ابنته، جهازا ضاهى به نعم الخلافة، فلم يبقٍ شيئا من كل لون وجنس إلا وضمه للجهاز». تضمن الجهاز حليا ذهبية وجواهر ثمينة، لايعرف لها قيمة، ومائة هون من الذهب، لسحق الطيب الخالص، الذى جاء به المعتضد. وشمل الجهاز ثيابا فاخرة، بالإضافة إلى عشرة صناديق كبيرة مملوءة بحلى قطر الندى، بها 4 آلاف حزام مجوهر، وألف إناء من الذهب الإبريز، لوضع العطور.. وأعطى خمارويه لابنته مائة ألف دينار، لتشترى ما تريده من بغداد، مما لايوجد مثيله فى مصر. عرس سياسى ويرى المستشرق الكبير، كارل بروكلمان، فى كتابه «تاريخ الشعوب الإسلامية» أن أبهة الجهاز الذى جهز به أمير مصر ابنته، أذهلت بلاط بغداد، الذى اعتاد منذ فترة غير قصيرة حالة أقرب للضيق منها إلى السعة، وروجت لشائعة تقول إن الخليفة العباسى لم يقبل على هذه المصاهرة مع خمارويه، إلا ابتغاء إفقاره، فلا يستطيع أن يبنى دولة قوية، وينفصل عن الخلافة. وتقول د.فايزة، إن المراجع التاريخية توضح أن جهاز قطر الندى قد أخذ من بيت مال مصر، الذى كان عامرا بالأموال وقتها، مما أدى إلى إفلاسه. ويقال إن جملة ما أنفقه خمارويه على زواج ابنته مليون دينار، وعوضه الخليفة عن ذلك، بأن أعاد إليه السيادة من الفرات إلى برقة «ليبيا»، وخفض عنه الجزية. وتنقل الدكتورة فايزة فى كتابها، ما كتبه المؤرخون عن موكب قطر الندى، الذى سار من مصر إلى بغداد، عبر الشام، ورافقها والدتها وجدتها وعمها شيبان، ومعهم «الجصاص» والجند والأعيان والأمراء على جيادهم، وهى على الهودج الفخيم، ومعها ماشطتها. وأقيمت الحفلات والمآدب فى مصر وبغداد، وبقى الناس يتذكرون هذا العرس وذلك الجهاز، فى أغانيهم الشعبية التى توارثتها الأجيال، ويرددونها فى الأفراح وليلة الحنة، فى الأغنية الشهيرة: يا حنة ياحنة يا قطر الندى، يا خوفى من أمك لتدور عليك، لاحطك فى شعرى ياعينى وأضفر عليك، الحنة يا حنة يا قطر الندى، يا شباك حبيبى يا عينى.. جلاب الهوى، لخوفى من أمك لتدور عليك لاحطك فى عينى يا عينى واتكحل عليك، الحنة يا حنة يا قطر الندى يا شباك حبيبى يا عينى جلاب الهوى يا خوفى من أمك لتدور عليك لاحطك فى صدرى يا عينى واتقمط عليك، الحنة يا حنة يا قطر الندى يا شباك حبيبى يا عينى.. جلاب الهوى. • يا حنة ياحنة ياقطر الندى كلمات: مرسى جميل عزيز ألحان: بليغ حمدى غناء: شادية الحنة يا حنة باحنة ياقطر الندى يا شباك حبيبى ياعينى جلاب الهوى لا لا لا الصبر ده حاجة محالة يا أروح له يا أقوله تعالا لو يطلب منى العين راح أقوله خد الإتنين وتحنى الليالى فرحتنا سوى وأفرش له ضفايرى ياعينى على شط الهوى يا قمرنا ياهاجرنا الحب يا جارنا امرنا تخاصمنا ونصالحك ونكمل سوى مشوارنا وإن بعدت بينا بلاد نخلق للحب معاد ونقول لليالى ضمينا سوى وأخبيك فى عينى ياعينى من نسمة هوى أستنى وأستنى لما تفوت على بستانا وتصبح وتمسى تطلب مفتاح الجنة وأهديك شال الأفراح مليان ورد وتفاح والفرحة الكبيرة نقسمها سوى وأتوه بين حبيبى يا عينى والليل والهوى الحنة يا حنة ياحنة يا قطر الندى يا شباك حبيبى ياعينى جلاب الهوي
