وزير العمل : عرض قانون العمل الجديد على مجلس الوزراء نهاية الأسبوع الجارى    مجلس النواب يواصل مناقشة قانون التعليم والابتكار.. ربط مخرجات التعليم بمتطلبات سوق العمل    بمشاركة 150 طالبًا.. بدء فعاليات مبادرة 100 يوم رياضة بكلية التجارة بجامعة جنوب الوادي (صور)    طلب إحاطة بشأن عمال وزارة الزراعة الذين لم يتقاضوا المرتبات منذ ثلاث سنوات    أسعار الذهب اليوم الاثنين 21 أكتوبر 2024    أسعار البطاطس والثوم والخضار في أسواق الإسكندرية اليوم الإثنين 21 أكتوبر 2024    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الاثنين    محافظ أسيوط يتفقد محطة رفع صرف صحي البنك الدولي بالمعلمين بحى غرب    المؤتمر العالمي للسكان.. وزير الصحة يترأس مائدة مستديرة حول «التنمية البشرية والسكان في مصر»    ميقاتي: أهم أولوياتنا وقف إطلاق النار في لبنان ونتمسك بتنفيذ قرار 1701    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية والهجرة ورئيس مجلس النواب اللبناني    الأهلي يقرر عرض كهربا للبيع    تعرف علي موعد نهائي السوبر المصري بين الأهلي والزمالك والقناة الناقلة    الأرصاد: طقس الإثنين مائل للحرارة.. واضطراب الملاحة على هذه الشواطئ    بحفل جماهيري كبير.. «سعيد الارتيست» يُبهر جمهور الإسكندرية بمقطوعات وجمل فنية ومواويل صعيدية ب«سيد درويش» (صور)    وزير الصحة ونظيره اليوناني يتفقدان مستشفى العاصمة الإدارية الجديدة    في يومه العالمي.. «الصحة» تكشف 3 أسباب للإصابة بهشاشة العظام (تعرف على طرق الوقاية والعلاج)    جهاد جريشة يحسم الجدل بشأن هدف الأبيض.. ويؤكد: ثنائي الأهلي والزمالك يستحقان الطرد    عاجل:- رئاسة الأركان العامة للجيش الكويتي تنفي نقل أسلحة إلى إسرائيل عبر القواعد الجوية الكويتية    قتلى في الغارة الإسرائيلية على بعلبك شرقي لبنان    حزب الله يستهدف منطقة عسكرية إسرائيلية في الجولان المحتل بالطيران المسير    الإسكان تعلن تعديل حدود الدخل للتقديم على شقق الإسكان الاجتماعي ضمن مبادرة "سكن لكل المصريين"    وفاة المعارض التركي فتح الله كولن في أمريكا    نقيب الصحفيين: لن نفتح باب الانتساب إلا بعد موافقة الجمعية العمومية    قوى عاملة النواب: قانون العمل يسهم في جذب الاستثمارات والحد من مشكلة البطالة    تفاصيل استبعاد كهربا من معسكر الأهلي في الإمارات.. مفاجآت الساعات الأخيرة    عمرو أديب يشيد بكلمة الرئيس السيسي حول صندوق النقد الدولي والإصلاح الاقتصادي    وزير الصحة اليوناني يشيد بجهود الدولة المصرية للنهوض بالمنظومة الطبية    مالك مطعم صبحي كابر: الحريق كان متعمدًا والتهم الطابق الثالث بالكامل    شهداء وجرحى في قصف للاحتلال استهدف مدرستين تؤويان نازحين في جباليا    حزب الله يعلن إسقاط هرمز 900 إسرائيلية    علي جمعة يكشف حياة الرسول في البرزخ    أبرزهم هشام ماجد ودينا الشربيني.. القائمة الكاملة للمكرمين في حفل جوائز رمضان للإبداع 2024    حظك اليوم برج القوس الاثنين 21 أكتوبر 2024.. مشكلة بسبب ردود أفعالك    أول حفل ل غادة رجب بعد شائعة اعتزالها.. «تغني بالزي الليبي»    «زي النهارده».. تدمير وإغراق المدمرة إيلات 21 أكتوبر 1967    هل النوم قبل الفجر بنصف ساعة حرام؟.. يحرمك من 20 رزقا    خلال ساعات.. نظر استئناف المتهم بقتل اللواء اليمني حسن العبيدي على حكم إعدامه    عاجل.. كولر «يشرح» سبب تراجع أداء الأهلي أمام سيراميكا ويكشف موقف الإصابات في نهائي السوبر    موقع تحديث بطاقة التموين 2024.. والحكومة تكشف حقيقة حذف 5 سلع تموينية    إصابة 10 أشخاص.. ماذا حدث في طريق صلاح سالم؟    حادث سير ينهي حياة طالب في سوهاج    المندوه: السوبر الإفريقي أعاد الزمالك لمكانه الطبيعي.. وصور الجماهير مع الفريق استثناء    لبنان.. إخلاء بلدية صيدا بسبب تهديدات الاحتلال الإسرائيلي    لاعب الأهلي السابق: تغييرات كولر صنعت الخلل أمام سيراميكا    حسام البدري: إمام عاشور لا يستحق أكثر من 10/2 أمام سيراميكا    6 أطعمة تزيد من خطر الإصابة ب التهاب المفاصل وتفاقم الألم.. ما هي؟    22 أكتوبر.. تعامد الشمس على معبد أبو سمبل الكبير    «هعمل موسيقى باسمي».. عمرو مصطفى يكشف عن خطته الفنية المقبلة    في دورته العاشرة.. تقليد جديد لتكريم رموز المسرح المصري ب"مهرجان الحرية"    مزارع الشاي في «لونج وو» الصينية مزار سياحي وتجاري.. صور    هل كثرة اللقم تدفع النقم؟.. واعظة الأوقاف توضح 9 حقائق    كيف تعاملت الدولة مع جرائم سرقة خدمات الإنترنت.. القانون يجب    حبس المتهمين بإلقاء جثة طفل رضيع بجوار مدرسة في حلوان    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى الخليفة دون إصابات    النيابة تصرح بدفن جثة طفل سقط من الطابق الثالث بعقار في منشأة القناطر    زوجى يرفض علاجى وإطعامي .. أمين الفتوى: يحاسب أمام الله    أستاذ تفسير: الفقراء يمرون سريعا من الحساب قبل الأغنياء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المستشار الدكتور محمد خفاجى : حل إنهاء الأزمة بين القضاء والبرلمان
نشر في صباح الخير يوم 04 - 04 - 2017

فى ظل الصدام المحتدم بين السلطتين التشريعية والقضائية حول اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية .. كان لابد من إعلاء صوت علم القانون والدستور للفصل بينهما، وهو ما وجدناه فى هذا البحث الذى أعده المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس محكمة القضاء الإدارى -الدائرة الأولى - بحيرة سابقا.
فوجئت السلطة القضائية والمجتمع المصرى بمشروع قانون أعده مجلس النواب عن طريقة اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية، وعهدها إلى رئيس الجمهورية ليكون له القدر الأخير من الاختيار تالياً ممن ترشحهم اختيارات جمعياتهم العمومية، ليهيل التراب على معيار الأقدمية الذى صاحب ولادة إنشاء القضاء، وعلت أصوات لتنتصر لوجهتها، وفُردت صفحات بالصحف وانتشرت برامج تتحدث هنا وهناك، وقد اشتد الجدل من الجانبين وصار صراعاً أعياه، ووجد مجلس النواب فى هذا المشروع ما يحقق استقلال القضاء ويرونه نبعاً من العطاء وسلطة تقديرية تمثل قدراً من هداه، بينما يراه القضاة مساساً باستقلالهم وبلهفة إصداره ذنب للبرلمان جناه، فاَليت على نفسى أن يكون للعلم والفكر صوت ينير للحالكات مداه، فمصر تحتاج إلى اَمال مُحياه فى طريق النور أسيراً من سباياه.
وقد أردت بهذا البحث العلمى أن يكون وقفة مع أهل التشريع فى مصر قبل ظلام الصدام، وفيه القول الفصل قضية القضايا المتمثلة فى كيفية اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية، انتهجت فيه الموضوعية والتجرد والحياد التزاماً بالأصول والمعايير الدستورية العالمية حفاظاً لسمة القضاء المصرى فى إرساء العدل من ناحية، وصوناً لتشريع عصرى جديد من ناحية أخرى، إيماناً منى بإعلاء ساحة الحوار بين السلطتين، بدلاً من مستنقع الاحتراب بين السلطات.
والأصل فى سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق جميعها أنها سلطة تقديرية، إلا أن هذه السلطة تجد حدها الطبيعى فى قواعد الدستور التى لا تجيز العدوان على الحقوق والحريات والمبادئ الدستورية التى استنها المشرع الدستورى، سواء من خلال هدم ذواتها أو الحد من نطاق الانتفاع بها، أو الانتقاص منها، بحسبان هذا الانتقاص عدواناً على الحماية التى تصورها الدستور وكفلها لتلك الحقوق والحريات والمبادئ، ومن ثم يثور التساؤل فى هذا الصدد عن بيان مدى قدرة مجلس النواب فى ممارسة اختصاصه المحجوز له دستورياً فى سن التشريع بالخروج على ما يخالف أو يمس أحد المبادئ الدستورية، ومنها بلا ريب مبدأ استقلال القضاء.
ويثور التساؤل كذلك، كيف سيتحقق استقلال السلطة القضائية فى ظل وجود نظام تقننه السلطة التشريعية بموجبه يتم اختياررؤساء الجهات والهيئات القضائية بواسطة السلطة التنفيذية، وهل من المنطق أن يقبل رؤساء تلك الجهات والهيئات القضائية أن يكون أحدثهم رئيساً لأقدمهم ؟ إن طريقة اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية على هذا النحو الذى تضمنه مشروع هذا القانون يثير مدى صحة القول بتبعية السلطة القضائية للسلطة التنفيذية ومدى حقيقة الإخلال باستقلالها، وكذلك مدى تأثير ما تقدم على تقويض مبدأ الفصل بين السلطات اللصيق باستقلال القضاء.
• المبحث الأول
• مفهوم استقلال السلطة القضائية مستمد من الدستور(عشرة نصوص دستورية) لا من التشريع
استقلال السلطة القضائية له مفهوم وثيق الصلة بإحدى الضمانات الأساسية فى المجتمع المتمثلة فى حماية حقوق المواطنين وحرياتهم، ذلك أن تنظيم العدالة وإدارتها إدارة فعالة مسألة وثيقة الصلة بالحرية وصون الحقوق على اختلافها، واستقلال السلطة القضائية نصت عليه جميع الدساتير، وقد كفلت الدساتير المصرية المتعاقبة ومنها الدستور الحالى للسلطة القضائية استقلالها وجعل هذا الاستقلال عاصماً من التدخل فى أعمالها أو التأثير فى مجرياتها باعتبار أن القرار النهائى فى شأن حقوق الأفراد وواجباتهم وحرياتهم هو بيد أعضائها، وكان هذا الاستقلال يقوم فى مضمونه على أن تفصل السلطة القضائية فيما يعرض عليها من أقضية فى موضوعية كاملة، وعلى ضوء الوقائع المطروحة عليها، ووفقا ًللقواعد القانونية المعمول بها، ودونما قيود تفرضها عليها أى جهة أو تدخل من جانبها فى شئون العدالة بما يؤثر فى متطلباتها، لتكون لقضاتها الكلمة النهائية فى كل مسألة من طبيعة قضائية، ولتصدر أحكامها وفقا لقواعد إجرائية تكون منصفة فى ذاتها وبما يكفل الحماية الكاملة لحقوق المتقاضين.
واستقلال السلطة القضائية ليس تمييزاً لها، فهى سلطة أصيلة تقف على قدم المساواة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتستمد وجودها وكيانها من الدستور ذاته لا من التشريع، وقد أناط بها الدستور وحدها أمر العدالة مستقلة عن باقى السلطات، ومن ثم فلا يجوز - عن طريق التشريع - إهدار ولاية تلك السلطة كليا أو جزئيا أو المساس باستقلالها أو الانتقاص منه، ولئن كان الدستور قد نص فى المادة(184) منه على أن يبين القانون صلاحيتها، فإن المقصود بذلك أن يتولى الشارع توزيع ولاية القضاء كاملة على السلطة القضائية على نحو يكفل استقلالها، فإن تجاوز القانون هذا القيد الدستورى وانتقص من استقلال القضاء ولو جزئياً كان مخالفاً للدستور.
وقد حرص المشرع الدستورى على تقرير مبدأ السلطة القضائية فى عشرة نصوص دستورية كل فى موضعها، وتتكامل جميعها فى بوتقة مبدأ استقلال القضاء، ففى المادة (94) من الدستور ربط المشرع الدستورى استقلال القضاء بخضوع الدولة للقانون، وجعل سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة وأخضع الدولة للقانون وجعل استقلال القضاء وحصانته وحيدته ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات، وهذه هى فلسفة استقلال القضاء كما يجب أن يعيها مجلس النواب.
وفى المادة (184) من الدستور نص على أن السلطة القضائية مستقلة تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتعرضت تلك المادة لجريمة ذات شقين، لكل منها نطاقها ومداها، الأولى جريمة التدخل فى شئون العدالة، وقد حرص المشرع الدستورى على أن يورد النص عاماً ليشمل كل صور التدخل- وعلى القمة منها إهدار مبدأ استقلالها- والثانية جريمة التدخل فى القضايا، وهنا يلزم التدخل بصدد قضية معينة، وجعل المشرع هذه أو تلك جريمة لا تسقط بالتقادم لعظم شأن العدالة .
• إهدار الاستقلالية
وفى المادة (185) رسخ المشرع الدستورى لكل جهة أو هيئة قضائية مفهوم الاستقلال، بأن جعل كلاً منها تقوم على شئونها ومنح لكل منها موازنة مستقلة تدرج بعد إقرارها فى الموازنة العامة للدولة رقماً واحداً، وألزم مجلس النواب بأخذ رأيها فى مشروعات القوانين المنظمة لشئونها، واستخدام المشرع للفظ «رأيها» لا يعنى إهداره والعمل على نقيضه وألا يكون النص عليه من قبيل العبث ، كما أنه قد غاب عن مجلس النواب أن النصوص التى يضعها المشرع الدستورى تفترق عن النصوص يضعها المشرع العادى، وأخذ رأى تلك الجهات والهيئات له قيمة دستورية تعلو على ما أهدره المشرع العادى، إذ جردها من كل قيمة .
وفى المادة (186) أضفى المشرع الدستورى مفهوماً اَخر للاستقلال بأن أضفاه على القضاة أنفسهم وليس السلطة القضائية فقط، حينما نص على أن القضاة مستقلون غير قابلين للعزل، ولم يشأ أن يجعل عليهم سلطاناً فى عملهم إلا القانون، وجعلهم المشرع متساوين فى الحقوق والواجبات، وتلك المساواة تكون بين جميع الجهات والهيئات القضائية دون استثناء .
وفى المادة (190) نص المشرع الدستورى على استقلال مجلس الدولة كجهة قضائية، وجعله مختصاً دون غيره بالفصل فى المنازعات الإدارية ومنازعات التنفيذ بجميع أحكامه ومراجعة وصياغة مشروعات القوانين وغيرها..
وفى المادة (191) نص المشرع الدستورى على استقلال المحكمة الدستورية العليا كجهة قضائية قائمة بذاتها وحدد اختصاصاتها، وأمعن المشرع الدستورى فى استقلالها فى المادة (193) واستحدث طريقة اختيار رئيسها بأن تختار الجمعية العامة رئيس المحكمة من بين ثلاثة نواب لرئيس المحكمة ثم اضفى الاستقلال كذلك على أعضائها وفقاً للمادة (194) التى جعلت رئيس ونواب رئيس المحكمة الدستورية العليا ورئيس وأعضاء هيئة المفوضين بها مستقلين وغير قابلين للعزل ولا سلطان عليهم فى عملهم إلا للقانون.
وفى المادة (196) أضفى المشرع الدستورى على هيئة قضايا الدولة طابع الاستقلال بأن جعلها هيئة قضائية مستقلة، رغم انها تنوب عن الدولة فيما يرفع منها أو عليها من دعاوى، وكذا بموجب المادة (197) اضفى الاستقلال على هيئة النيابة الإدارية بالنص على أنها هيئة قضائية مستقلة.
• قانون جائر
ولا ريب فى استخدام المشرع الدستورى للفظ استقلال فى عشرة نصوص له دلالته الدستورية التى يعيها رجال الفكر والفقه الدستورى، ومن مقتضى ذلك أن يتمتع مجلس النواب بسلطة إصدار التشريعات بما لا يمس مبدأ استقلال القضاء أو ينتقص منه، ولا يجوز لأى سلطة التدخل فى شئون العدالة أو القضايا ومجرياتها أو إعاقتها على أى نحو، أو توجيهها وجهة دون أخرى، مثل مشروع القانون الجائر المناقض لمبدأ استقلال القضاء لينال من مجلس خاص مشكل من سبعة من رجال القضاء هم بطبيعة مراكزهم وأقدمياتهم على القمة من مدارج التنظيم القضائى، وبالتالى أكثر خبرة ودراية بأوضاع السلطة القضائية وشئون القائمين عليها وأقدر على الفصل فى منازعاتهم، فلا يجوز المساس بأقدمياتهم واستقلال القضاة لحماية الوظيفة القضائية، ونأيا بمن يضطلعون بأعبائها عن أن تضل العدالة طريقها إلى أحكامهم، أو أن تهن عزائمهم فى الدفاع عن الحق والحرية والأعراض والأموال إذا جاز لأى جهة أيا كان موقعها أن تفرض ضغوطها عليهم أو أن تتدخل فى استقلالية قراراتهم أو أن يكون تسلطها عليهم بالوعد أو الوعيد حائلاً دون قيامهم بالأمانة والمسئولية على رسالتهم، سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر، فلا يجوز المساس بهذا الاستقلال على نحو ينال من هيبة السلطة القضائية وعلو منزلتها أو الانتقاص من ثقة المواطنين فى القائمين على شئونها، وهذا الاستقلال فى حقيقته وجوهره ومبناه لتأمين العمل القضائى من محاولة التأثير فيه ضماناً لسلامته ، ذلك أن الدستور فرضها كضمانة لاستقلال السلطة القضائية فى مواجهة السلطتين الأخريين بوجه خاص - تكفل حريتها فى العمل وتصون كرامة أعضائها، دون قدرة مجلس النواب على المساس بهذا الاستقلال على أى وجه من الوجوه .
• المبحث الثاني
استقلال السلطة القضائية ضرورة دستورية كأساس لشرعية الحكم، ومجتمعية لتحقيق العدالة فى المجتمع منذ دستور 1923 حتى الاَن غنى عن البيان أن الدولة الحديثة تقوم على التوازن بين السلطات المختلفة وهذا التوازن يقتضى أن تستقل كل سلطة عن الأخرى وأن تحد كل سلطة من جموح السلطات الأخرى. ويصعب القول باستقلال وفصل كامل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ولكن الأمر ليس كذلك بالنسبة للسلطة القضائية التى يجب أن تكون مستقلة لذا فإنه فى الأنظمةالديمقراطية الحديثة التى تؤمن بالشرعية ومبدأ سيادة القانون تنص فى صلب دساتيرها على أن تكون السلطة القضائية سلطة مستقلة، فالقضاء يقوم بأداء رسالة هى بطبيعتها مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وقد اهتم دستور 1923 بإبراز هذه الحقيقة، فنص فى المادة(124) منه على أن «القضاة مستقلون لا سلطان عليهم فى قضائهم لغير القانون، وليس لأية سلطة فى الحكومة التدخل فى القضاء». وقد كرست هذه المادة استقلال القضاء عن السلطة التشريعية، فجعلت السلطة على القضاء للقانون وحده. كما كرست استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية فحرمت عليها التدخل فى القضايا، وحالت بينها وبين القضاء، وقد أوجبت المواد 166,165,65 من دستور 1971 استقلال القضاء عن السلطتين التشريعية والتنفيذية بما نصت عليه من أن تخضع الدولة للقانون، وأن استقلال القضاء وحصانته ضمانتان أساسيتان لحماية الحقوق والحريات، وأن السلطة القضائية مستقلة، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفق القانون، وأن القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم فى قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية سلطة التدخل فى القضايا أو فى شئون العدالة، ومفاد ذلك أن استقلال القضاء بات ركناً أساسياً لسيادة القانون.
وبالرجوع للجذور التاريخية وما ورد فى المذكرة الإيضاحية لقانون استقلال القضاء رقم66 لسنة1943 ، والتى جاء فيها أن «الدستور المصرى أبرز حقيقة استقلال القضاء ولم يخلقها، فمن طبيعة القضاء أن يكون مستقلاً والأصل فيه أن يكون كذلك، وكل مساس بهذا الأصل من شأنه أن يعبث بجلال القضاء، وكل تدخل فى عمل القضاء من جانب أية سلطة من السلطتين الأخريين يخل بميزان العدل، ويقوض دعائم الحكم، فالعدل كما قيل قديماً أساس الملك»، وأردفت المذكرة أن الضمانات التى كفلتها نصوص ذلك القانون لا تعدو أن تكون خطوة يجب أن تتبعها خطوات، ومن ثم أناطت بالقضاة أنفسهم واجب متابعة السعى دوما لاستكمال أسباب استقلالهم، وهو ما صارت على هديه المواثيق الدولية.
• ضرورة دستورية
والخلاصة أن استقلال القضاء ضرورة دستورية كأساس لشرعية الحكم، وضرورة مجتمعية كذلك لتحقيق العدالة فى المجتمع وترسيخ مفاهيمها وأواصرها وضبط مسارها، والضمان الفاعل لاحترام مبدأ المشروعية وارتقاء مكانته وتحقيق سيادة القانون وعلو كلمته، وهو أيضاً ضمان جوهرى لا غنى عنه لكفالة حقوق المواطنين وصون حرماتهم وحماية حرياتهم، وهو قبل كل ذلك أمر تفرضه طبيعة القضاء ويمليه سمو رسالته، وإذا كان العدل أساس الملك فإن استقلال القضاء هو أساس العدل، وبغير العدل تضطرب الدولة وينتكب الحكم الرشيد الصالح.
إن استقلال القضاء فى المفهوم الحديث لا يعنى الانفصال عن السلطات الأخرى فى الدولة فمثل ذلك الانفصال لا وجود له داخل الدولة الواحدة، وإنما يعنى استقلال القضاء أنه هو وحده الذى «يستقل» بشئونه كافة الإدارية والقضائية وبالفصل فى المنازعات وبالحكم بالعقوبات هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، فإن استقلال القضاء يعنى أن القضاة وهم يؤدون أعمالهم لا يخضعون فى ذلك إلا للقانون وحده، ولا يتلقون فى هذا الشأن توجيهات من أحد كائناً من كان ولا يخضعون لسلطان أى جهة فى قضائهم، فلا قيد على القاضى إلا رقابة الله ثم سلطان الضمير ونزاهة تطبيق العدالة ضماناً للحقوق والحريات.
• المبحث الثالث
مشروع البرلمان بالانتقاص من استقلال القضاء انتهاك لحرمة الدستور ومخالفة جسيمة له
غنى عن البيان ، إن مبدأ استقلال السلطة القضائية أصبح أهم مظهر من مظاهر النهج الديمقراطى فى أى نظام سياسى فى العالم، لأنه يشكل - كما ذكرنا - الضمانة الحقيقية لحماية حقوق المواطنين وحرياتهم لتحقيق العدالة وضمان حقوق الإنسان، لذا فإن جميع الدساتير تحرص فى صلب دساتيرها على مبدأ استقلال السلطة القضائية، على أن العبرة دائماً كما يقول رجال الفكر والفقه الدستورى ليست بالنصوص الدستورية فى ذاتها وانما بتطبيقاتها فى الحياة العملية.
من الجدير بالذكر أن المشرع فى حدود الدستور له سلطة التشريع ما لم يقيده الدستور بقيود معينة، إن السلطة التشريعية قد تستتر وراء أحد الاختصاصات المنصوص عليها فى الدستور لتمارس نشاطاً اَخر يمنعه الدستور صراحة أو ضمناً ومثالها أن تصدر تشريعاً كمشروع القانون - محل البحث - يستر عدواناً على مبدأ استقلال القضاء وهو من المبادئ الدستورية، ويتعين سد هذا التحايل لأنه يفتح باباً خطيراً للمشرع للعدوان على القضاء.
ومن المعلوم أن عيب الانحراف بالسلطة عيب احتياطى، حيث لا يتعرض له القاضى إلا إذا انعدمت العيوب الأخرى، وعيب الانحراف بالسلطة هنا لا يتحدد بمعيار ذاتى، وإنما على ضوء معيار موضوعى، فإذا كانت قرينة الدستورية تفترض تطابق النص التشريعى مع أحكام الدستور، فإن عملية إقرار القوانين تسبقها وتعاصرها مراحل قد يصعب معها القطع بحقيقة النوايا الذاتية التى تؤثم تشريعاً بذاته، واسباب التشريع تكشف عادة عن الغاية التى قصد المشرع إلى تحقيقها ونلتمس تلك الأسباب فى نصوص التشريع بذاته عندما نمحصها نصاً لنتبين من خلالها، وفى تضاعيف العبارات والأساليب الغاية من التشريع، ونلتمسها كذلك فى ديباجة التشريع إذا كان له ديباجة ، ففيها يذكر المشرع الأسباب التى حملته على إصدار التشريع والغاية التى يهدف إلى تحقيقها، وكذا فى الأعمال التحضيرية نبحث عنها فى المذكرة الإيضاحية وتقارير اللجان البرلمانية ومناقشات الأعضاء.
• الانحراف التشريعى
ويرى نفر من الفقه، أن الطبيعة الاحتياطية لعيب الانحراف التشريعى تقلل من أهميته عملياً من جهتين : الأولى : أن المخالفة المباشرة لنصوص الدستور سواء من ناحية مجاوزة الأوضاع الشكلية التى فرضها الدستور على المشرع فيما يقره من النصوص القانونية، أو من ناحية اتفاق مضمونها مع نصوص الدستور، وتلك المخالفة الدستورية تتقدم دوماً الأغراض المخالفة للدستور التى يستلهمها المشرع فيما يقره من نصوص. والثانية: أن دائرة الانحراف كثيراً ما تداخل مع دائرة المخالفة المباشرة للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور بما يجمعهما معاً ليصبح نص القانون فى مضمونه مخالفاً للدستور ومشوباً فى ذات الوقت بسوء الانحراف، بيد أن المحكمة الدستورية العليا قد اعتدت بالعيب الاحتياطى للانحراف التشريعى حينما حكمت فى القضية رقم 49 لسنة 6 قضائية دستورية بجلسة 19 ابريل 1987 بعدم دستورية البند (أ) من المادة الخامسة من القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى فيما تضمنه من عدم جواز الانتماء إلى الأحزاب السياسية أو مباشرة الحقوق والانشطة السياسية على من حُكم بادانته من محكمة الثورة فى الجناية رقم 1 لسنة 1971 مكتب المدعى العام الخاصة بمن شكلوا مراكز قوى بعد ثورة 23 يوليو 1952 لتقرير عقوبة ذات أثر رجعى بالمخالفة لنص المادتين 66 و 187 من الدستور، ويبين من هذا الحكم تأكيد المحكمة الدستورية للطابع الاحتياطى لعيب الانحراف التشريعى، الذى توافر فى تلك القضية فى صورة من أخطر صور الانحراف التشريعى، ألا وهى صدور التشريع لكى ينطبق على أشخاص معينين بذواتهم هم من حكم بإدانتهم فى الجناية رقم 1 لسنة 1971 مكتب المدعى العام الخاصة بمن شكلوا مراكز قوى بعد ثورة 23 يوليو 1952 بما يفقد أهم خصائص التشريع وهى خاصية العموم والتجريد، وقد قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية هذا النص استناداً إلى مخالفة ذلك النص مباشرة لأحكام الدستور دون الاستناد إلى عيب الانحراف فى استعمال السلطة التشريعية تأكيداً للطبيعة الاحتياطية للعيب المذكور .
• نوايا المُشرع
وبالنظر إلى أن مجاوزة السلطة يتصل فى الأعم الغالب من الحالات بالنوايا التى أضمرها المشرع وحدد على ضوئها مضمون النص القانونى وكان التحقق من هذه النوايا على قدر من الصعوبة، وقلما يعلن المشرع عن نواياه الحقيقية التى غلفها بالنص القانونى الظاهرة صحته، إلا أن التعمق فى نص مشروع هذا القانون يلزمنا ببلوغ غاية الأمر بشأنه، إذ الفرض أن المشرع أخفى نواياه الحقيقية بشأنه وألبسه غير ثوبه الدال على حقيقته ووجهه، ويجب النظر فى جميع الأوضاع التى لابسته ما كان منه سابقاً عليه أو معاصراً لخلقه، وما اتصل به من حوار داخل مجلس النواب ذاته بالرجوع إلى مضابطه، وما استقام من جميع القرائن التى تشى بنوايا مجلس النواب التى ابطنها، ما يقتضى الرجوع إلى الخلفية التاريخية لنص مشروع القانون مصحوباً بالاغراض السياسية التى دعت إليه، والعجلة المريبة فى تمريره، واللهفة على سرعة إصداره، وغير ذلك من ظروف الحال التى تدل حقيقة ووجهة هذا النص وهو ما تحقق بشأنه لدرجة أن بعض الأعضاء ذكر على الملأ انه لم يدرج بجدول الأعمال أصلا.ً
وبالرجوع إلى مشروع النص المعد من مجلس النواب- وعلى ما سوف نرى - يبين منه حثيث غاية المشرع فى تتبع عدة فروض بطريقة التلاحق لا بطريقة التنظيم، فتارة أولى أوجب مشروع النص أن يعين رئيس مجلس الدولة بقرار من رئيس الجمهورية من بين 3 من نوابه، ترشحهم الجمعية العمومية الخاصة بمجلس الدولة، من بين أقدم سبعة من نواب رئيس المجلس، وذلك لمدة أربع سنوات أو المدة الباقية حتى بلوغه سن التقاعد أيهما أقرب ولمرة واحدة طوال مدة عمله، وإبلاغ رئيس الجمهورية بأسماء المرشحين قبل نهاية مدة رئيس المجلس بستين يوما على الأقل، وتارة ثانية أوجب مشروع القانون فى حالة عدم تسمية المرشحين قبل انتهاء الأجل المذكور فى الفقرة السابقة، وتارة ثالثة أو ترشيح عدد يقل عن ثلاثة وتارة رابعة أو ترشح من لا تنطبق عليه الضوابط المذكورة فى الفقرة الأولى يعين رئيس الجمهورية من بين أقدم سبعة من نواب رئيس الجمهورية. ويمكن القول هنا إن المشرع خلط الأغراض المخالفة للدستور- المتمثلة فى مبدأ استقلال القضاء - بأغراض ظاهرها الصحة ليحقق خفيةً بمشروع هذه النصوص ما عجز علانية عن إنفاذه بما جعلها خارجة من رحمها موصومة بها فى جميع حلقاتها، كما تتحقق مخالفة مشروع تلك النصوص للدستور ولو كان خطأ مجلس النواب يرجع إلى عدم فهمه لنصوص الدستور على صحيح وجهها الذى أكده المشرع الدستورى عشر مرات فى الدستور بتكرار النص فى أكثر من مناسبة عن استقلال القضاء. وهذا الاستقلال لا يخل بيد سلطة المشرع بالتنظيم بتوفير مزيد من الضمانات للمبدأ ذاته لا الانتقاص منه وإهداره، مما تكون معه المخالفة الدستورية جسيمة لمساسها بأساس شرعية الحكم فى الدولة وثيق الصلة باستقلال القضاء. •
والاسبوع القادم نكمل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.