لم يعد هناك شك فى أن داعش صناعة «هوليوودية» بامتياز، فمن يريد أن يقتل ويحرق ويرهب أعداءه يمكن أن يكتفى بتنفيذ أحكام القتل على هواه دون الحاجة لكل هذا الكم من التقنيات السينمائية، لكن الإصرار على أن يكون تصوير عمليات الذبح والحرق بهذا «الكواليتى» وباستخدام كل هذه التقنيات، يؤكد أن أهداف «داعش» ومن يمولها دعائية بالأساس، كأنها شركة إنتاج سينمائى لا جماعة متطرفة تدعى أنها تريد تأسيس دولة للإسلام، والدين الحنيف منهم ومن أفعالهم براء، لكن الأخطر هو أن داعش تكتفى بالإنتاج فقط بينما تقوم القنوات والمواقع الإخبارية المصرية والعربية بتوزيع أفلامهم على الملايين مجانا وبدون مقابل. مع كل فيديو جديد لجماعة «داعش» الإرهابية، تتأكد أن القتل ليس المجال الأول الذى يفهم فيه هؤلاء، وإنما التصوير السينمائى والمونتاج بحرفية شديدة، وأيضا التلاعب بالأعصاب والقلوب، فالوتيرة واحدة كل مرة، تعلن الجماعة المتطرفة أيا كان فرعها، عن اختطاف أو أسر مجموعة من الضحايا، ثم تقوم بتصويرهم بملابس الإعدام، وبعد عدة أيام طالت أو قصرت تقوم ببث مقاطع الإعدام المصورة، مع تطور كبير فى الأسلوب والتقنيات، ظهر بوضوح فى فيديو استشهاد الطيار الأردنى معاذ الكساسبة حرقا، واستشهاد 21 مصريا ذبحا، وفى كل مرة لم تتراجع داعش وتسلم المخطوفين ويتأكد دائما أنها لا تدخل مفاوضات جدية حتى لو كان مبدأ التفاوض مرفوضا معها، وحتى من يريد الاحتفاظ بكارت رابح معه لا يقوم بالذبح بهذه الطريقة، لأن بإمكانه الاحتفاظ بالمخطوفين لشهور طويلة لو أراد، ما يؤكد أن القتل والترهيب هو الهدف السامى لهؤلاء، والأسمى بالنسبة لهم أن تؤدى مشاهد القتل للخوف منهم والرعب الذى ردت عليه الطائرات المصرية مؤخرا برعب أكبر، فلا فرق بين التتار وداعش، وكما انتهت أسطورة التتار على حدود مصر، ستنتهى أسطورة داعش بالمثل. الخبراء من كل حدب وصوب أكدوا أن داعش تهتم بالتقنيات السينمائية ربما أكثر من التسليح والعداد، بل إن بعضهم نجح فى توقع عدد الكاميرات المستخدمة فى تصوير مشاهد القتل، والتقنيات المتوافرة فى المونتاج والموسيقى وغيرها.. سنتناول الدور المخيب للآمال للقنوات والمواقع الإخبارية المصرية والعربية فيما يتعلق بمساعدة شركة داعش على توزيع أفلامها. • محترفون على السوشيال ميديا المخرج الأردنى محمد حشكى.. أكد أن الفيديوهات الداعشية تفوقت على جميع الفيديوهات التى تبثها الجماعات الإرهابية مثل تلك التى كان يبثها تنظيم القاعدة، مبينا أنه من الواضح أن «داعش» لديها كادر عمل متخصص فى صناعة الأفلام، و«بصرف النظر عن جودة أدواتها، إلا أنها تكشف عن وجود محترفين تقنيين لديها». ورجح أن يكون فريق «داعش» لإخراج هذا التسجيلات «من فئة الشباب» القادرين على مخاطبة جمهور «اليوتيوب» وال«سوشيال ميديا» بشكل عام، فهم لديهم خبرة كما هو واضح ببرنامج «الفاينال كت»، ويبدو أنهم خاضعون ل «دورات تدريبية». كل هذه الأمور تؤكد أن «داعش» لديها قوة إعلامية كبيرة وتمتلك آلات تصوير الجيل الخامس، كما أكد الكثيرون من متخصصى الإنتاج الفني، الذين أكدوا بدورهم أن «داعش» صنعت أفلامها بتقنيات حديثة جدا مثل التى فى هوليوود، مما يدل على نجاحها فى الحرب التى تقودها بفضل التقنيات الإعلامية، وبتلك الحالة ساهمت فى جذب الكثير من العقول الغائبة إلى صفوفها، وملأت فراغ مقاتليها بمشاهدة تلك القنوات الخاصة بهم. أما المخرج الكبير سمير سيف، فقال إن الجماعة المتطرفة تستخدم أساليب حديثة فى تصوير هذه الفيديوهات، حيث تستخدم ما يقرب من خمس كاميرات فضلا عن تنفيذه بشكل احترافي، كأن مخرجا سينمائيا يقوم بتصويره، فيما يشير المخرج سامح عبدالعزيز إلى وجود معونات خارجية وهى غالبا أمريكية، حيث يتم تصوير هذه الفيديوهات بتقنيات حديثة، وهذه التقنيات متواجدة فى أمريكا بشكل كبير. مشددا على أن الفيديو الخاص بالمصريين الذين تم ذبحهم على أيدى «داعش» يؤكد أنهم يستعينون بمخرج محترف يقوم بتصوير الجريمة بشكل إخراجى متميز، مونتير متميز يستطيع عمل مونتاج الفيديو. • مخرج وسيناريست ومونتير فيما يرى المخرج بقناة النيل للأخبار شريف سعيد، أن الفيديو يحاول الإيحاء بأن هناك قائداً ميدانياً وسط جنوده، والرسالة المراد توصيلها «أنتم بانتظار جيش من المقاتلين» نحن هنا أمام «منتج فنى» تناقش مع المخرج فى ألوان الملابس والمعنى المستهدف من «طبيعة وقوفهم». ويضيف سعيد، خلال 55 ثانية استخدم قائدهم تعبيرات ومفردات مثل (أرض الإسلام، جنوبروما، نزول عيسي، كسر الصليب، قتل الخنزير، دفع الجزية، جسد الشيخ أسامة) هذا كله أكسب الخطاب طابعًا ملحميًا غازل به بسطاء مسلمى العالم ومتعصبيه، نحن هنا أمام «سيناريست» لا يقل حرفية عن باقى صناع العمل. ويكمل، الملابس ذات اللون البرتقالى التى تصر «داعش» على إلبساها لضحاياها بأفلامها قبيل إعدامهم، أرى مدلولها نوعًا من الثأر البصرى نيابة عن جميع أطياف اليمين الإسلامى المتطرف، التى ارتدى بعض أفرادها ذات اللون بقاعدة «جوانتنامو» عقب 11 سبتمبر، هذا بحد ذاته دعوة فنية مستترة لكل المتطرفين للانضواء تحت راية أبوبكر البغدادي، نحن أمام من يجيد لغة الخطاب بالصورة حتى لغير الجمهور الأساسى للفيلم. وعند تنفيذ المجزرة، ثبّت المخرج الكاميرا فى «أقصى اليسار» بزاوية فنية منخفضة، ثم قام الدواعش بحز الرقاب ودفع الجثامين تباعًا بدءًا من «أقصى اليمين» ليكون سقوط الضحايا مثل قطع الدومينو!! السؤال: هل نحن أمام سفاحين وفقط؟! أم أنهم نفذوا تصميمًا حركيًا رسمه لهم أحد المتخصصين على ورقة سيناريو؟! وكانت جريدة «ديلى ميل» البريطانية قد كشفت أن مخرجًا أمريكيًا من أصل سوري، ولد فى فرنسا، ويدعى محمد أبو سمرا، يبلغ من العمر 32 سنة، هو المسئول عن إنتاج وإخراج أفلام داعش. أضافت الصحيفة فى تقرير لها أن أبو سمرا اتهم من قبل السلطات الأمريكية بالإرهاب فى 2009 وخصص مكتب التحقيقات الفيدرالى مكافأة مالية مقدارها 50 ألف دولار لمن يدلى بمعلومات عنه أو يعثر عليه. وأوضحت أن أبو سمرا تلقى تعليمه فى مدرسة كاثوليكية، وحصل على دراسات متقدمة فى استخدام التكنولوجيات الحديثة والتصوير السينمائي، وألتحق بداعش مشرفًا على البروباجندا الإعلامية للتنظيم، ونقلت الصحيفة عن الخبير فى التصوير، تشارلز ليسنى قوله: «إن أيًا من المجموعات المتطرفة لم تستطع أن تصل إلى التأثير الإلكترونى وتوفير عملية إعلامية متطورة مثلما فعل «داعش»، الذى يركز على تطبيقات العالم الافتراضى من خلال بث رسائله وأشرطته وصور مقاتليه وعملياته، وهذا الكلام ترجمه داعش على أرض الواقع، إذ يغرق مواقع التواصل الاجتماعى بأفلام الفيديو والصور والتسجيلات الصوتية وتنتج سلسلة من الأفلام الدعائية التى تحتوى عمليات الذبح وقطع الرءوس، وأبدع هذا التنظيم فى اختيار الوسم المستخدم فى فايسبوك أو تويتر. • إعلانات الجزيرة القناة القطرية قامت مؤخرا بوضع فيديو ذبح المصريين على فيس بوك بشكل إعلاني، والمفترض أن الإعلان على فيس بوك يكون للفيديوهات أو الأخبار التى تحتاج لجذب القراء فقط، وهذا الفيديو لا يحتاج للإنفاق عليه لكن يبدو أن القناة القطرية كانت تريد للكل أن يري، لأن الإعلان هنا ينتشر على نطاق واسع، لكن ما هو مبرر القنوات المصرية والعربية فى أن تتعامل مع داعش خصوصا والإرهاب عموما كما كان يتعامل بائع الصحف قديما مع كل جريمة جديدة فيرفع الصوت قائلا «اقرأ الحادثة»، من أجل أن يشترى منه الناس الصحف، والأمر لا يختلف عن استشهاد ضابط مفرقعات بسبب انفجار قنبلة لحظة تفكيكها، فنجد المواقع تنشر الفيديو باعتباره انفرادا، وما بين الهرولة لنشر فيديوهات داعش والترويج لها بكل الوسائل دون تمحيص أو نقد مصاحب لها، ما يجعل ما تبقى فى ذاكرة القارئ أو المشاهد فى النهاية هو الرعب من داعش لتكون بذلك رسالة شركة الإنتاج السينمائى الإرهابية قد تحققت بأقل مجهود. •