أمام مدرسة السعيدية الثانوية بالجيزة، تجمع العشرات من أولياء الأمور بصحبة أبنائهم فى الثامنة والنصف صباحا، انتظارا لمواجهة الفيزياء، المادة الأصعب فى امتحانات القسم العلمى. وفى التاسعة إلا الربع دخل الطلاب إلى اللجان يصحبهم دعاء الآباء والأمهات، الذين انصرف بعضهم على وعد بالعودة بعد الامتحان، بينما فضل بعضهم البقاء، انتظارا لخروج أبنائهم.
بحثت والدة نديم الأستاذة بمركز البحوث الزراعية، عن مكان ظليل، تنتظر فيه الابن، قائلة «دى عادة من أيام الإعدادية، لازم أراجع معاه الدروس ليلة الامتحان، واستناه قدام اللجنة، ده ابنى الوحيد، ولما بيكون الامتحان سهل بنمشى على طول، ولما بيكون صعب نستنى شوية عشان نشوف باقى زملائه عملوا إيه، عشان يعرف إنه مش لوحده، وكمان لو حصل أى حاجة أثناء الامتحان ممكن أتحرك مع أولياء الأمور لإثبات حالة اعتداء، أو لإنقاذ طالب حصل له حاجة».
والدة نديم كانت قد أخذت إجازتها السنوية، لتكون بجانب ابنها طوال فترة الامتحانات كما فعلت فى العام الماضى، حين كان فى الصف الثانى، وهو المرحلة الأولى من الثانوية العامة، حسب النظام الحالى للثانوية العامة، الذى سيتغير فى العام المقبل.
«رفع معنويات الابن والتخفيف عنه إذا جاء الامتحان صعبا، والمساعدة فى حماية اللجنة من أى هجوم من بلطجية أو غيرهم فى ظل الحالة الأمنية غير المطمئنة، واحتمال انطلاق مسيرات فى شارع شبرا فى أى وقت إلى الميادين مع اقتراب 03 يونيو» هى المبررات التى ساقها المهندس نبيل، والد محمود لانتظار ابنه خارج لجنة مدرسة التوفيقية بشبرا.
وبدت صعوبة امتحان الفيزياء على وجوه الطلاب أثناء خروجهم من اللجان وقال أحد أولياء الأمور» ربنا ينتقم من الوزير ومن اللى حطوا الامتحان».
الأعوام الأخيرة من الثمانينيات شهدت بزوغ ظاهرة مشهد انتظار أولياء الأمور على أبواب لجان الامتحانات، لتصل إلى ذروتها فى امتحانات الثانوية العامة.
ويفسر استشارى الطب النفسى د.أحمد البحيرى هذا المشهد، باعتباره أحد أشكال تضخيم بعض الأسر لما يجب أن يوفروه لأولادهم، بشكل مادى ملموس وليس معنويا كما يعتقد البعض، كما يحرصون على إظهار الاهتمام بالأبناء، من خلال إعطائهم دروسا خصوصية أو الاشتراك لهم فى ناد، يحرصون أيضا على إظهار هذا الاهتمام بالدعاء لهم على أبواب اللجان، فى حين أنهم يدركون أنه لا فرق بين قراءة القرآن والأدعية فى البيت أو أمام باب لجنة الامتحان.
وقبيل أن تخرج طالبات مدرسة شبرا الثانوية للبنات من اللجنة، قالت والدة ياسمين: «باخاف يغمى عليها أو تكون محتاجه آخدها فى حضنى وما تلاقينيش جنبها، إذا الامتحان جه صعب أو أى حاجة حصلت، ورغم كده باسأل نفسى دايما: ياترى خوفى ده صح ولا غلط، والأهالى اللى مابيستنوش ولادهم مش برضه بيخافوا عليهم؟
تنشغل والدة ياسمين بمتابعة أحاديث مشاركيها فى الانتظار، التى تبدأ من الحديث عن حرارة الشمس وعن مكان لشراء الماء البارد، ثم الامتحانات والوزير وأسعار مراجعة ليلة الامتحان، والمستقبل المجهول، وانقطاع الكهرباء التى تلغى حصص المراجعة النهائية، التى يكون الطلاب فى أمس الحاجة إليها، وانتهاء بالأطعمة التى يمكن إعدادها بسرعة بعد العودة من اللجنة.
فى حين قال والد نورهان، صاحب أحد المتاجر فى شارع شبرا: الموبايل مش كفاية عشان اطمن على بنتى بعد الامتحان، وكمان عشان نرجع مع بعض فى العربية، بدل ماتاخد ضربة شمس، زى ما كنت فى أوقات كتير بأوصلها الدرس وأرجعها، عشان ما تتعرضش للمضايقات، أو لإضاعة الوقت».
على خلاف ذلك يرى د.البحيرى أن النتيجة هى ابن مدلل، لا يعتمد على نفسه.