لم ينته بعد الجدل حول استقالة المستشار محمد فؤاد جاد الله، إلا وأصدر الرئيس محمد مرسى قراراً جمهوريا بإنشاء هيئة استشارية قانونية تختص بإبداء الرأى فى المسائل الدستوريه والقانونية التى يُحيلها إليها، وتضم الهيئة فى عضويتها ستة عشر مستشارا، منهم عشرة مستشارين من الهيئات القضائية المختلفة، وخمسة من أساتذة القانون بالجامعات المصرية،
كان الرئيس محمد مرسى قد عين قبل ذلك هيئة استشارية له من مساعدين ومستشارين، وثبت أنهم وفقا لتصريحاتهم أنفسهم كانوا مجرد مناصب وهمية دون أى دور حقيقى يذكر، بل إن المستشار محمود مكى نائب رئيس الجمهورية السابق نفسه قد صرح وهو رجل قانون بأن الرئيس لم يستشره فى الإعلان الدستورى، كما صرح العديدون غيره أنهم لا تتم استشارتهم فى شىء، وهو ما يعنى أنه لا جدوى من تعيين هيئة جديدة، تقوم بدور شكلى أو وهمى كما كان من قبل، ما لم تتحقق الديمقراطية بمفهومها الحقيقى، وذلك بتقييد سلطة الحاكم، وأن يكون لدينا دولة مؤسسات لا دولة مستشارين، وبرلمان حقيقى له سلطات واسعة فى التشريع والرقابة، ومادام لم تتحقق هذه الأمور فهذا يعنى أننا أمام هيئة استشارية لن تضيف جديداً، غير أعباء مالية لهؤلاء المستشارين فى بلد يئن من كثرة الديون، والإنفاق فى أوجه لا تفيد، ولكن هل ستكون الهيئة الاستشارية الجديدة التى أصدر الرئيس قرارًا بتشكيلها مجرد ديكور دون أن يكون لها دور حقيقى كما كان من قبل؟، وهل الهيئة الاستشارية الجديدة تم تشكيلها لترسيخ نظام حكم الفرد المطلق؟، وهل سيكون أعضاؤها مجرد تنفيذيين وسكرتارية للرئيس؟، دون تقديم المشورة الحقيقية؟، كلها أسئلة لا يملك أحد الإجابة عنها غير الأيام، و الرئيس محمد مرسى صاحب القرار، الذى علق عليه البعض بأن الرئيس محمد مرسى استبدل فؤاد جاد الله بستة عشر غيره. ويرى الدكتور محمود العادلى أستاذ القانون الجنائى ورئيس قسم القانون العام بكلية الشريعة والقانون بطنطا، والمحامى أمام محكمة النقض والإدارية العليا والدستورية العليا أن مَنْ يظن أن الإخوان المتأسلمين لا يستفيدون من أخطائهم مخطئ، وقال هم يستفيدون جيداً، وقد تجلت هذه الاستفادة فى تشكيل اللجنة الاستشارية القانونية، وذلك من نواحٍ ثلاث، الأولى: جعل فريق العمل القانونى مكوناً من عدد كبير نسبياً، ويمنع من تعسف الفكر الواحد للعمل القانونى المراد طبخه فى المؤسسة الرئاسية على الطريقة الإخوانية؛ والناحية الثانية أن اللجنة تم تطعيمها بأساتذة قانون - بعضهم وليس كلهم - مشهود لهم بالعلم القانونى الغزير والموضوعية؛ والناحية الثالثة أن قرار تشكيل هذه اللجنة فرض التزاما بالصمت على أعضائها. ∎ التشكيل الجديد ويرد الدكتور محمود العادلى على تشكيل هذا الفريق القانونى معلقاً بأن إعادة تشكيل هذه اللجنة جاء بعد الفشل الذريع الذى مُنيت به الهيئة الاستشارية للرئاسة السابقة، أو المتآكلة، والتى كانت تضم نائباً لرئيس الجمهورية، بالإضافة لأربعة مساعدين للرئيس، وسبعة عشر مستشارا؛ مؤكدا أن الهيئة السابقة قد تآكلت بعد أن فر منها أغلب أعضائها.واستطرد الدكتور محمود العادلى موضحاً أن حرص رئاسة الجمهورية على إنشاء مثل هذه الهيئة يعبر عن عدم الثقة فى أجهزة الدولة الأخرى التى تقوم بذات الدور مثل «إدارة التشريع فى وزارة العدل وقسم التشريع فى مجلس الدولة»؛ وكأن الرئاسة تسير فى نفس النهج الذى تسير فيه التيارات المتأسلمة التى تريد أن تجعل هناك دولة موازية للدولة القائمة. وأوضح الدكتور العادلى أن اللجنة المذكورة المسماة تسمية مشكوك فى دستوريتها وقانونيتها «بالهيئة الاستشارية الدستورية القانونية»، لا ترتفع قامات أغلبها (إن لم يكن كلها) لمستشارى أنظمة الحكم السابقة على حكم الإخوان المسلمين؛ فأين هؤلاء من قامة الفقيه القانونى الكبير السنهورى المستشار القانونى لثوار ثورة 2591 وأين هم من قامة «دكتور محمد كامل ليلة، دكتور رفعت المحجوب، ودكتور صوفى أبوطالب فى عهد السادات؛ وأين هم من قامة دكتور أحمد فتحى سرور، ودكتور مفيد شهاب، ودكتور عبدالأحد جمال الدين، ودكتور رمزى الشاعر، ودكتور أحمد سلامة، ودكتورة فوزية عبدالستار، وغيرهم من قامات القانون فى مصر ما قبل عهد الإخوان المتأسلمين. وأضاف أستاذ القانون: الأدهى من كل ما تقدم أن إنشاء هيئة قانونية جديدة بموجب قرار جمهورى يصطدم صراحة مع نصوص الدستور الجديد؛ وخاصة المادة 361 من هذا الدستور التى تنص على (يصدر رئيس مجلس الوزراء اللوائح اللازمة لإنشاء المرافق والمصالح العامة وتنظيمها بعد موافقة مجلس الوزراء. فإذا رتب ذلك أعباء جديدة على الموازنة العامة للدولة، وجب موافقة مجلس النواب)، لأن تسمية (لجنة) قانونية باسم (هيئة)، وعمل هيكل وظيفى جديد لها من إداريين وفنيين، هو مما يدخل فى اختصاص رئيس الوزراء؛ وأضاف أن صدور هذا القرار الجمهورى هو والعدم سواء؛ لأنه انتزاع لسلطة رئيس الوزراء؛ وهو بهذه المثابة يمثل سقطة قانونية لمستشارى الرئيس الذين أشاروا عليه بتضخيم اسم (لجنة قانونية) ونفخها لتكون (هيئة)، مضيفا لا ينال من ذلك أن يذكر القرار الجمهورى فى ديباجته أن (مُصدره) أى رئيس الجمهورية، قد أطلع على قرار رئيس الجمهورية رقم 37 لسنة 9891 بتشكيل رئاسة الجمهورية، لأن هذا القرار الأخير كان صادراً فى ظل دستور 1791 الذى كان يوسع من سلطات رئيس الجمهورية التشريعية ؛ ولم تكن بهذا الدستور نصاً مقابلاً لنص المادة 361 التى أستحدثها الدستور الحالى. ∎ تطعيم الهيئة ورداً على «تطعيم الهيئة الاستشارية بأساتذة جامعة» قال دكتور العادلى نجد أن اللجنة تم تطعيمها بأساتذة قانون - بعضهم وليس كلهم - مشهود لهم بالعلم القانونى والموضوعية؛ إذ نجد اللجنة تضم 61 عضواً (5 أعضاء هيئة تدريس بالجامعة) و01 مستشارين بالقضاء؛ ومحامٍ واحد، وهو ما يعنى أن الهيئة تضم مجموعة من الأولين وقليل من الآخرين «على حد وصفه»، وكان الفريق الرئاسى الأول الذى استقال أغلب أعضائه قد ضم شخصيات كانت تُفرض فرضاً فى أى موضوع عام، كأن مصر أجدبت ولم تنجب إلا هؤلاء؛ فمن ضمن هذا الفريق (نفر) تجده فى اللجنة التأسيسية للدستور الأولى المقضى ببطلانها؛ والثانية التى كانت سيقضى ببطلانها لولا محاصرة المحكمة الدستورية العليا بفعل فاعل (همجى وفوضوى) ويريد العودة بالبلاد إلى عصر ما قبل الدولة؛ كما تجده ضمن المعينين فى مجلس الشورى؛ و(نفر) آخر من هذا الفريق هو عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان ومستشار قانونى لجماعة الإخوان المسلمين ومحام، وهذا المحامى جاء اسمه - فى قرار الهيئة المذكور - رقم 1 سابقا على (ستة) من القضاة والمستشارين، وكأنه أعلى منهم مرتبة، كما أبدى أسفه على هؤلاء القضاء لأنهم قبلوا أن يأتى اسم هذا المحامى سابقا عليهم، ولعل هو فعلاً أقدم منهم فى حبه لجماعة الإخوان المتأسلمين أو انضمامه لها.وأضاف أما القليل من الآخرين الذين ينضمون للهيئة الاستشارية المذكورة فبعضهم من الأسماء اللامعة فى مجالها وتخصصها، وإن لم تكن معروفة للعامة، مثل الدكتور أحمد أبو الوفا، والدكتور محمد باهى محمد يونس؛ ولقد شارك هذا الأخير - بحسن نية أو بسوئها الله أعلم - فى وضع التعديلات الدستورية التعيسة. ∎ الالتزام بالصمت أما من الناحية الثالثة (الالتزام بالصمت) فنجد أن هذا الالتزام المفروض على أعضاء الهيئة المذكورة؛ محل نظر، إذ أن المادة التاسعة من القرار الجمهورى المنشئ لهذه الهيئة الاستشارية تنص على أنه (يمتنع على أعضاء الهيئة ومكتبها الفنى الإعلان عن أعمالها وما أعدته من دراسات وأبحاث وآراء وتوصيات بأى وسيلة من الوسائل).وفى النهاية أسأل الدكتور محمود العادلى أستاذ القانون: هل الالتزام بالصمت على أعضاء الهيئة المذكورة سيكون فى جميع الأحوال حتى لو أضر ذلك بالمصالح العليا للبلاد أم لا؟، وقال: لاشك فى أن مثل هذا الصمت سيكون مثل (صمت الخرفان) الذى تسير وراء شخص أو جهة أو جماعة دون وعى أو دراية، مؤكدا أن هذا ما سيكشف عنه مستقبل هذه الهيئة القانونية التعيسة. ∎ الرأى الآخر أما الدكتور رجب عبدالكريم أستاذ القانون الدستورى بجامعة المنوفية فيرى دور الهيئة لن يتعدى تقديم الآراء القانونية و الدستورية للرئيس، ولكنها فى النهاية آراء غير ملزمة له، والقرارات فى النهاية من اختصاص رئيس الجمهورية، وأضاف: تشكيل هيئة استشارية من رجال القانون المخضرمين (على حد وصفه) خاصة بعد الفترة الماضية والتى شهدت صدور أحكام قضائية مخالفة للقانون، أدت إلى إلغاء العديد من قرارات الرئيس، وهو الأمر الذى أحدث حالة من الاضطراب القانونى. وعن ضم عبدالمنعم عبدالمقصود محامى جماعة الإخوان المسلمين؟، وهل هذا يعد محاولة جديدة لتمكين الإخوان؟، وهل جاء قرار ضم عبد المقصود بصفته القانونية أم التنظيمية داخل الجماعة التى ينتمون إليها؟، أضاف عبدالكريم أن من حق الرئيس أن يضم محامى الإخوان إلى الهيئة الاستشارية مادام أنه ضمه بصفته القانونية وليست الحزبية أو التنظيمية.وأكمل أستاذ القانون الدستورى أن فكرة إنشاء هيئة استشارية للرئيس تضم عددا من أساتذة القانون والمستشارين أفضل من الاعتماد على مستشار قانونى واحد، وهو ما يعطى فرصة أكبر للوصول إلى الرأى الصواب.