الميزة فى الأعمال الفنية التى يقدمها الفنان التشكيلى محمد الطحان أنها تعبر عن شخصيته وروحه وطريقة تفكيره لدرجة أنك لا تستطيع أن تفصل شخصيته عن لوحاته التى يقدمها منذ سنوات عديد عن القاهرة التاريخية حيث شارع الجمالية والأسواق والباعة الجائلين والأبواب العتيقة «زويلة - المتولى - النصر - الفتوح» فتلك الأماكن الحميمية والأحياء الشعبية هى ذاكرته البصرية التى نشأ فيها ونسج منها عالمه الفنى الملىء بالعشق والانفعال تجاه تلك الأماكن والعادات والتقاليد ذات المذاق الخاص جداً.
ويمكننا أن نطلع على ملامح عالم الفنان محمد الطحان فى معرضه الأخير بأتيليه القاهرة والذى قدم من خلاله عشرات اللوحات التى تحكى عن الناس والمكان، ترصد وتحلل وتمتلئ بالعواطف والانفعالات والمشاعر بخامات متعددة يجيدها الطحان الذى يطلق العنان لمشاعره وأحاسيسه ورؤاه تجاه البيوت والحارات والشوارع والعادات والتقاليد فتجد مولد الحسين والألعاب الشعبية «النقرزان والتحطيب والمراجيح والحجلة» وحلقات الذكر والحمام الشعبى والزار وعروس المولد ورجال التنورة بالإضافة إلى تصوير أهالى تلك الأماكن فى أوضاع مختلفة تعبر عن البساطة والعفوية وأحياناً الحزن.
وعن هذا العالم الثرى يقول الفنان محمد الطحان: إن تلك الأماكن والأحياء الشعبية قريبة جداً من قلبى ففيها نشأت وعلى أبوابها طرقت وبين جدرانها سجدت وصليت.. من عبيرها استنشقت وبعطرها تطيبت، ومن ثم فى لوحاتى وأعمالى الفنية نسجت منها عالمى الذى أنتمى إليه ونافذتى التى من خلالها أطلقت العنان لإحساسى أن يتبلور فى لوحات ذات مقاس مهما كَبُر فهو محدود أمام العشق والانفعال المتدفق تجاه تلك الأماكن ذات المذاق والطعم الخاص.
وأضاف: إن تلك الموروثات المختزنة عبر القرون وإن تباعدت وتسارعت الأحداث فعندما أخلو إلى نفسى أجدنى قد تداعت كل تلك الذكريات ودفعتنى لأعيشها مرة أخرى ولكن فى قالب مختلف ومزاج متعدد الاتجاهات والأهداف فتارة أجدنى منبهراً بالأهلة والقباب وتارة بالإنسان فى مختلف أحزانه فى السرادقات أو أفراحه وأعياده وتارة ثالثة فى الألعاب على المقاهى الشعبية.
وأكد الطحان: بالنسبة لى تلك هى الحياة وتلك هى اللوحات والفن وارتباطه بالبيئة والناس حتى وإن تغيرت عاداتهم من القاهرة إلى باقى المحافظات.
ويرى د. صلاح المليجى رئيس قطاع الفنون التشكيلية أن الهوية المصرية والموروث الشعبى هما مصدرا استلهام الفنان المتميز محمد الطحان فهذا الفنان العاشق لمصر يعرفها وتعرفه، تبوح له بأسرار جمالها فيفهمها ويقدرها لكنه لا يبخل عنا بتلك الأسرار فينقلها لنا بأمانة من خلال لوحاته العديدة التى تحمل من المشاهد التى تتناغم وتتكامل بمهارة وتمكن وإبداع وتروى قصة مصر الأصيلة.
أما الفنان التشكيلى عز الدين نجيب فيقول: إن الطحان ينسج فى لوحاته خيوط عالمه من ملامح الحياة المصرية فى امتدادها التاريخى والجغرافى والعقائدى ويجعل من المأثورات الشعبية فى أنماط العمارة والعرائس والطقوس مفردات من قاموس الذاكرة الجمعية للشعب المصرى.. وتلك المفردات لا تبقى أسيرة لأشكالها التراثية بل تصبح كائنات حية معاصرة مصاغة بحس ذاتى متجدد ينبع من روح الفنان الذى يعيد توليفها فى علاقات جمالية مبتكرة وحميمية.
وأضاف أنه برغم كل المتغيرات القيمية الكاسحة عبر الزمن لجوانب الأصالة فى نفوس الشعب المصرى فإن الطحان يواصل استلهام تلك الأماكن ليعكس النبض الحى للروح المصرية قبل أن تحاصرها الظروف الضاغطة وتدفعها للانكماش والانزواء.. والفنان هنا ينفخ فى تلك الروح من روحه ويعيد إليها السمو والتوهج إيمانا بجمرة الحياة ودعوة للأصالة والانتماء فى مواجهة عوامل التحلل والاقتلاع من الجذور.
ويرى الفنان التشكيلى السيد القماش أن فكر الفنان محمد الطحان وفلسفته قائمان على ذلك التلاحم بين البيوت والتراث والفن الشعبى حيث نرى عمق مفهوم البيئة والإنسان فى أعماله فى صياغة تشكيلية تتواءم ومدارس الفن الحديث وبأساليب متفردة وتقنيات مختلفة وخامات متعددة تمثل فى مجملها مجموعات لونية ذات هارمونية وخصوصية هادئة قريبة من الحس النفسى والتعبيرى بهدف المزج بين ارتباط الفن ووجدان الشعب فى صياغة تجمع بين التسجيل المجتمعى والتمكن العالى فى التأكيد على الهوية.
أما الفنان التشكيلى صالح رضا نقيب التشكيليين الأسبق فيرى أن الفنان محمد الطحان - فى أعماله - يحاول اكتشاف أبعاد جديدة وعالم جديد بعيداً عن التلقائية الموجودة عند الفنان، فهو يحاول أن يكون مقتحماً لدروب جديدة من خلال اكتشاف نفسه أولاً قبل أن يكشف ما حوله وما هو قريب منه وبالتحديد فإن الطحان يحاول أن يجد عالماً لنا بعيداً عن هذه الضبابية التى تحوم حولنا