امتزجت الآلام بعلامات الحزن والضيق والغضب الدفين من جراء ما حدث من إرهاب بغيض علي كنيسة القديسين بالإسكندرية مع بداية مطلع العام الجديد، ذلك الحدث الذي هز وجدان الوطن بأسره واستهدف أمن مصر واستقرارها في المقام الأول. وفي ليلة عيد الميلاد كان المشهد داخل كنيسة رئيس الملائكة الجليل ميخائيل الكائن بشارع بحر الغزال من أحمد عرابي بالصحفيين يعبر بصدق عن الأحداث التي جرت علي أرض مصر منذ أيام قليلة الصورة كانت تختلف كثيرا عن كل عيد سابق، فالحزن كان يكسو كل الوجوه في احتفال عيد الميلاد وكان ذلك واضحا علي جموع المصلين داخل الكنيسة التي ازدحمت عن آخرها بعد النصف الأخير من زمن أو وقت الصلوات أو شعائر القداس الإلهي بسبب تقديم موعد إقامته علي غير العادة. البداية كانت من خلال الشارع الذي تقع به الكنيسة من خلال إجراءات أمنية مشددة ومكثفة وتفتيش البعض إذا اقتضي الأمر ذلك ولدرجة أنني شخصيا تعرضت لهذا الإجراء بسبب ما كنت أحمله من متعلقات شخصية داخل حقيبتي وامتثلت لذلك بكل احترام وتفهم للموقف العصيب الذي نمر به جميعا وأخذت طريقي متوجها إلي داخل الكنيسة في السابعة والنصف مساء الخميس وأنا أري الطريق خاليا تماما من وجود أي سيارات أمام الكنيسة ولم أجد سوي رجال الأمن في كل مكان منهم ما كان متخفيا في حلته المدنية ومنهم من ارتدي ملابسه الرسمية. ثم كانت المفاجأة عندما اكتشفت عدم حضور مكثف داخلها علي غير المعتاد، لكن سرعان ما امتلأت الكنيسة عن آخرها مع مرور الوقت بسبب تقديم موعد الاحتفال وكان المشهد في الكنيسة يخلو من أي مظاهر للفرحة والاحتفال بقدوم العيد وذلك كنتاج طبيعي لتلك المذبحة البشعة التي وقعت بالإسكندرية بيد الإرهاب الجبان التي تلطخت بالدماء البريئة من جراء ما ارتكبوه من إثم وعدوان، حيث تبدلت حالة الفرحة بقدوم العيد إلي حزن عميق اعتصر قلوب المصريين جميعا. وارتسم ذلك علي الوجوه التي كانت تعبر عن تلك الحالة الحزينة حيث توارت الأنوار واختفت ولم تزدن الكنيسة كعادتها أو كما كان يحدث قبل هذا العمل الإجرامي بل الأكثر من ذلك لم أر الأطفال مع ذويهم وهم يرتدون حلة العيد وكذلك كان الكبار. وقد غطي الحادث الجلل علي كل مشاعرهم وأفئدتهم وقد حرص علي مشاركتي في هذه المناسبة اثنان من زملائي الأفاضل وهما محمد عاشور وشريف الليثي ولم ينصرفا إلا معي عقب الانتهاء من مراسم صلاة قداس الميلاد المجيد وقد شارك في الاحتفال عدد من القيادات وأبناء محافظة الجيزة وعدد من رجال الدين الإسلامي الذين شاركونا في هذا العيد ومنهم حسانين عبداللطيف ومحمد طنطاوي وغيرهما من الأخوة في حب مصر والوطن، وقد ألقي القمص غبريال غبريال راعي الكنيسة كلمة الميلاد ورسالة المسيح السلام للعالم وتحدث أيضا عن الاستشهاد. مطالبا بأن يُعد الإنسان نفسه طريقه نحو الرب فما أجمل ميلاد السيد المسيح ليملأ الحياة بهجة وسرورا وبتلك الكلمات المباركة المجد لله في الأعالي وعلي الأرض السلام وبالناس المسرة وكل عام وأنتم جميعا طيبون. - ثم تلا القمص سوريال حليم رسالة بطريرك وأسقف الجيزة الذي تقدم بدوره بالشكر لكل من قاموا بالتهنئة بالعيد والذين شاركوا في هذا الاحتفال ووجه أيضا الشكر للسادة رجال مجلسي الشعب والشوري وقيادات المحافظة ورجال الدين الإسلامي وكذلك رجال الأمن الذين قاموا بجهد كبير من أجل إعداد هذا الاحتفال، وقال في كلمته إن المسيح في تجسده فتح باب المصالحة وصنع سلاما فرحت به السماء والأرض علي السواء وبمولده وهب الحياة لبني البشر وعاش الإنسان في سلام. وأضاف بأن السيدة العذراء مريم اختارها الله وقدسها لتصير أما للمسيح بعفتها وطهارتها، وقد شهدت هذا السر العظيم وعاشته، وفي هذا اليوم أيضا تقدم للرب تلك النفوس الغالية التي روعت بغدر الإرهاب وصعدت أرواحهم البريئة إلي السماء كما أن السيد المسيح جاء إلي العالم لكي يبشر بالحب وينشره في كل الأرض ولأن «الله محبة» فليكن هذا شعار كل إنسان يعيش علي الأرض. - وخلال إقامة القداس قام أحد الخدام بالكنيسة بتوزيع كروت تهنئة للحاضرين إلي جانب نبذة ورقية مكتوب عليها «صلوا من أجلهم».. فما بين أعياد وأفراد.. صلوات وتسابيح تتحول إلي ضجيج انفجار مدو بصحبة نوح وبكاء وعويل.. صراخ وخوف.. صدمات متلاحقة.. ألم ووجع غير محتملين.. أيضا قلق مميت علي الأحباء والأهل والأصدقاء. وأخيرا انصرفنا بسلام آمنين مصريين مسلمين وأقباطاً يجمعنا حب الوطن وفي عيوننا دموع لم تجف. من أجل مصر الباقية حتي يوم الدين فالأشخاص بطبيعتهم زائلون وستبقي مصر المحروسة رغم أنف الحاقدين «فادخلوها بسلام آمنين» و«مبارك شعبي مصر» وستبقي مصر دائما وأبداً منارة للحرية والتسامح الديني في كل عصر أو أوان.