كان صلاح جاهين ولا يزال نموذجاً للمصري الأصيل الفنان المبدع العبقري لقد عاش صلاح ثورة يوليو بكل أحاسيسه ومشاعره، وتماهي مع مصر الوطن والثورة، وكان من أكثر المعبرين عن الشعب المصري الذي رأي ثورة يوليو 1952 الأمل والمستقبل. الرخاء والاستقلال الهوية والضمير، ولم يكن صلاح جاهين مجرد شاعر متميز يصبغ كلماته بغاية الروعة ولكنه كان أيضاً فيلسوفاً يقوم بوضع منظومة متكاملة في رؤيته للحياة والألم والإيمان والسعادة وتواصل الأجيال. ويحاول أن يري ما لا يراه الآخرون في الكون والطبيعة والمرأة والسيادة والحق والخير والجمال، لقد عبر جاهين عن جيل الثورة وكنت واحداً منهم وإذ به يحرك مشاعرنا وعقولنا وحماسنا بكلماته الرائعة التي يقوم بتلحينها كمال الطويل ويغنيها عبد الحليم حافظ، فكتب عن المدارس والمصانع والشوارع والجيش والبوليس وعبد الناصر الذي كان رمزاً لمصر في كرامتها وعزتها ووحدتها وقوتها لقد كانت أجمل عصور عبد الناصر يمثل الحلم والمشروع القومي لمصر. وكان لحرب 1956 والانتصار السياسي فيها وقع رائع علي الشعب المصري ككل، وارتفعت الآمال حتي وصلت إلي عنان السماء في ذلك الوقت بدأ العمل بالسد العالي، بعد معركة كرامة مع البنك الدولي وحدثت نهضة ثقافية أدبية ومسرحية ضخمة لم تتكرر حتي اليوم لكن بعد 1961 بدأ العد التنازلي للمد الثوري، وذلك بالدخول إلي حرب اليمن والمواجهة مع السعودية وجهاً لوجه علي أرض اليمن وانتهاء الوحدة مع سوريا وبدا استنزاف الثورة من القوي الغربية والأمريكية بالذات واستدراج القيادة المصرية إلي الحرب مع إسرائيل عام 1967 . وكانت الهزيمة المروعة التي حطمت كل شيء جميل تمتعنا به، هنا كان صلاح جاهين هو المصدوم الأكبر كما كان ممثلاً للشعب المصري في غنائه للثورة والتعبير عن الآمال والآلام وعن الصمود أمام البغي، والدفاع عن القومية العربية والوحدة بين الأوطان العربية أصابه الاكتئاب الشديد وزهد في الدنيا وتمني الموت، لقد أحس بأنه قد أذل علي المستوي الشخصي وان كرامته قد أهينت ليس فقط لأن مصر قد هزمت من أعدائها فهذا يحدث للكثير من البلدان في كل عصر من العصور. لكن لأجل الخديعة التي تمثلت في الحكام الذين ألهبوا مشاعرنا بالوحدة الوطنية ومحاربة الليبرالية الغربية وفي الوقت الذي كانوا يعلموننا فيه الوطنية كانت هناك الانقسامات الحادة بينهم والتسيب والفساد والانحرافات لرجال الثورة وكشفت الهزيمة الوجه الآخر للثورة والثوار، ووضح الفارق بين الوجه الذي كانوا يتحدثون به للشعوب والوجه الحقيقي لهم، لقد كانت حالة انكسار ضخمة لكل الشعب . فما بالك بالإنسان الفنان الشاعر صاحب الأحاسيس المرهفة ولقد كنا جميعاً صلاح جاهين، في هذه المرحلة كتب يقول: يأسك وصبرك بين أيديك وأنت حر تيأس ما تيأس الحياة راح تمر أنا دقت من دا ودا عجبي لقيت الصبر مر وبرضك اليأس مر عجبي لقد حاول ألا ييأس. وحاول أن يتمسك بالحياة ويعتبر النكسة محنة وستمر لكنها بالنسبة لصلاح جاهين لم تمر حتي بعد حرب 1973، فقد استمر ينزف من داخله حتي مات، وأنا أعتقد أن هذا هو شعور جيل الثورة كله، ذلك الجيل الذي وصل إلي قمة النشوة مع الثورة في انتصاراتها وهبط إلي قاع اليأس عند الهزيمة وضياع كل شيء، ورغم أن صلاح جاهين كان يعرف كيف ينتصر علي كل الصعوبات والصدمات بالحب بقوله: بحر الحياة مليان بغرقي الحياة، صرخت خش الموج في حلقي ملاه قارب نجاه! صرخت قالوا مفيش، غير بس هو الحب قارب نجاة، عجبي لكنه لم يستطع أن ينجو من الغرق رغم قلبه المليء بالحب لكل شيء ورغم غياب جاهين عنا، إلا أننا نعلم أنه بمعاناته وانتصاراته وهزائمه وضيقه وإحساسه بالعدم إلا أننا نقول بملء الفم في عيد ميلاده لقد انتصرت يا جاهين علي الزمن والعدم. كما علمتنا أن نفعل من خلال رباعياتك.. الضحك قال يا سم علي التكشير، أمشير وطوبا وأنا ربيعي بشير مطرح ما بظهر بانتصر ع العدم إن شاء الله أكون رسماية بالطباشير عجبي. أستاذ مقارنة الأديان بكليات اللاهوت