وصلتني رسالة علي بريدي الإلكتروني من أحد قراء جريدة روزاليوسف من العراق الشقيق، كان نصها كالتالي: (إلي الأستاذ نهرو طنطاوي.... السلام عليكم تابعت مقالاتك المنشورة في جريدة روزاليوسف حول موضوع إجماع الفقهاء ومشروعيته لحل أو تحريم بعض المسائل الدينية أو تشريع بعض الأحكام الشرعية وأنك تري أن إجماع الفقهاء لا يعتبر تشريعا دينيا يجب علي المسلمين اتباعه وأن إجماعهم في أي مسألة من المسائل أو واقعة من الوقائع ما هو إلا محض آراء بشرية لا يمكن بحال من الأحوال أن تتحول هذه الآراء أو هذا الإجماع إلي حكم ديني أو تشريع ديني واجب الاتباع كما فهمت من كلامك المنشور وودت أن استفهم منك أيهما أكثر قبولا لحل أي مسألة من المسائل التي تواجه المجتمع الإسلامي أو المسلمين اليوم الفتاوي الشخصية لفقيه من المسلمين أم آراء مجموعة من الفقهاء التي ربما تصب في توحيد كلمة المسلمين في قضيه ما، أما لو أن فقهاء المسلمين كانوا قد اجتمعوا لحل المسائل بالإجماع لما تفرقنا وأصبحنا مذاهب متناحرة مختلفة في كثير من الأمور الفقهية. وإذا كان الإجماع غير ملزم برأيك وهو آراء شخصية لفقهاء بشر فكيف بنا الآن ونحن ملزمون بآراء أشخاص بعينهم أسسوا لنا المذاهب الأربعة ومنع الاجتهاد من بعدهم أو توقف. وان جميع التشريعات والأحكام المعمول بها في القوانين التي تحكمنا كالزواج والطلاق والميراث وغيرها مستنبطة من آراء هؤلاء الفقهاء مؤسسي هذه المذاهب وأكيد انك تتبع واحدا منهم. وآخرين أدخلوا الإسلام بمتاهات نتيجة أفكارهم وآرائهم الشخصية كالسلفيين والوهابين والصوفيين وغيرهم ولهم كثير من الاتباع والمؤيدين فما هو رأيك أيهما أصلح للمجتمع الإسلامي الإجماع أم الآراء الشخصية. أفيدنا أثابك الله وباركك لما تقدمه من مواضيع لخدمة الإسلام والمسلمين وتنوير أفكارهم التي شابها التشويش بالوقت الحاضر من كثرة ما يسمعون ويقرءون من آراء وأفكار مختلفة. وتقبل فائق التقدير والاحترام أخوك سعد العلي ... من العراق) انتهي نص الرسالة. ويمكن تلخيص مضمون استفسارات السائل الكريم في سؤال رئيسي هو: (أيهما أصلح للمجتمع الإسلامي الإجماع أم الآراء الشخصية؟). وللجواب عن هذا السؤال أقول: ربما اختلط الأمر علي القارئ الكريم، فكلامي في مقالاتي حول الإجماع لم يكن حول أيها أصلح، فهم نصوص الدين بشكل جماعي، أم فهمه بشكل فردي، إنما كلامي كان منصبا حول كارثة أن يتحول إجماع الفقهاء حول فهم نصوص الدين إلي تشريع ديني أو حكم ديني يضاهي تشريعات وأحكام القرآن الكريم، وبعبارة أخري أقول: إن فهم الدين وفهم نصوصه بشكل جماعي أو منفرد لا إشكال فيه علي الإطلاق، وإنما الإشكال الحقيقي في أن يتحول فهم الدين إلي تشريع ديني يضاهي الدين نفسه سواء تم هذا الفهم بشكل جماعي أو تم بشكل منفرد. فعلينا أن ننتبه إلي حقيقة مهمة ألا وهي: يجب أن نفرق تماما بين الدين نفسه أي النصوص الدينية (نصوص القرآن الكريم وأقوال الرسول)، وبين فهم الفقهاء للنصوص الدينية، فالنصوص الدينية (القرآن الكريم وأقوال الرسول) هي الدين وهي الشريعة وهي الرسالة الإلهية، أما فهم الفقهاء لهذه النصوص سواء أجمعوا واتفقوا علي هذا الفهم، أو فهم كل منهم النص بشكل منفرد، ففهم الفقهاء للدين فرادي أو مجتمعين ليس دينا وليس تشريعا دينيا ولا أحكاما دينية وإنما هو فهم بشري لنصوص الدين، قد يصيب هذا الفهم المقاصد الحقيقية للنصوص الدينية وقد يخطئها. أما سؤال القارئ أيهما أصلح، الإجماع علي فهم الدين، أم انفراد كل فرد بفهمه الشخصي الخاص؟ أقول: بالطبع الاجتماع علي فقه وفهم الدين أصلح للأمة ألف مرة من التفرق والتشرذم والاختلاف، وقد سبق وأن نشرت مقالاً لي في جريدة روزاليوسف بعنوان: (ديمقراطية فقه الدين) تناولت فيه الضوابط القرآنية لفقه الدين، وبينت فيه أن فقه الدين عمل جماعي يقع علي عاتق المجتمع كله بصورة منضبطة ومنظمة، وأن فقه الدين ليس حكراً علي طائفة بعينها ولا رجال بعينهم ولا مؤسسات بعينها، ويمكن للقارئ الكريم أن يتوجه لأرشيف مقالاتي علي موقع جريدة روزاليوسف ليقرأ المقال المذكور آنفا.