كان من أكثر توصيات مؤتمر "أدباء مصر"، لفتا للانتباه، في "يوبيله الفضي" المنتهي مساء الخميس الماضي، الذي عقد تحت عنوان "تغيرات الثقافة .. تحولات الواقع"، هي تلك التوصية الخاصة باضطلاع الهيئة العامة لقصور الثقافة، المنظمة للمؤتمر، بمهمة ترجمة الأدب المصري إلي اللغة الأجنبية والتوسع فيه، ووفق نص التوصية الذي صاغته الأمانة العامة جاء: " ُقدّر المؤتمرُ ما أُنْجِزَ في هذه الدورة من ترجمة الأدب المصري إلي اللغة الإنجليزية، ... مع التأكيد علي سُرعة تفعيل آليات تنفيذ ترجمة الأدب المصري".. وهو الأمر الذي كان الدكتور جمال التلاوي، أمين عام المؤتمر، قد أكد عليه في حفل الافتتاح حينما قال: "يجب الاعتراف بترجمة أعمال المميزين من مصر، بخاصة الأقاليم التي تضم قامات إبداعية لا تقل عن مترجمي القاهرة"، هذا علي الرغم من أن الهيئة تقدم بالفعل سلسلة ترجمة تسمي "آفاق عالمية" تترجم من اللغات الأجنبية إلي اللغة العربية. وتطرح هذه التوصية أسئلة عديدة تتعلق بالتخصص في الأدوار التي تضطلع بها كل مؤسسة ثقافية رسمية، فإذا كان المركز القومي للترجمة يتخصص في الترجمة، والهيئة العامة للكتاب لديها سلسلة "الجوائز" وكذلك دار الهلال وغيرها، فما الذي يمكن أن تضيفه الترجمة لهيئة قصور الثقافة، التي تضطلع بالأساس بالاهتمام بأدباء الأقاليم؟، وهل يطرح هذا التشابه في الأدوار بين المؤسسات إمكانية قيام تعاون وتنسيق بينها؟ الغريب أن سعد عبد الرحمن، رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية، قال: ليس معني أن يكون الأمين العام للمؤتمر أستاذا للغة الإنجليزية، ويترجم عن الإنجليزية إلي العربية، أن يصبغ أيديولوجيته وأفكاره الشخصية علي المؤتمر، والترجمة من العربية إلي اللغات الأخري تحتاج إلي عقود ترجمة مع دور النشر العالمية، وهذا غير متوافر، كما أننا ستواجهنا مشكلة أخري هي تسويق هذا المنتج المترجم، وأعتقد أن هذه التوصية تحتاج إلي دراسة عميقة، للتعرف علي مدي جدواها". وأضاف: هذه مجرد توصية، ولكنها ليست ملزمة وتنفيذها يتوقف علي مضمونها، فإذا كان هناك توافق بين مضمون التوصية واستراتيجية عمل الهيئة ورسالتها الأساسية سيتم تفعليها، هذا في حال إذا ما كانت توصية طموحة، وإذا أصرت أمانات المؤتمر القادمة عليها، وهنا أعتقد أنه ينبغي علي الهيئة في لحظة معينة أن تنفذها، وإذا كان لدينا سلسلة تسمي "آفاق عالمية" تترجم من اللغات الأجنبية إلي اللغة العربية ولاقت نجاحا، فإني أتصور أن الترجمة من العربية إلي اللغات الأخري تحتاج إلي مترجمين متخصصين. المترجم طلعت شاهين رفض الفكرة من الأساس قائلا: إن أدباء الأقاليم الذين طرحوا هذه التوصية، لم نر لهم ترجمات ملموسة، فليتركوا الكلام في هذا الموضوع إلي المتخصصين، وأنا ضد هذه الفكرة لأن هناك مشروعا سابقا في هيئة الكتاب، وفشل فشلا ذريعا، فهل كل واحد يعرف لغة يعتقد نفسه عبقريا في الترجمة؟". وتابع: أعتقد أن ترجمة اللغة الأجنبية يتم من جانب أبناء اللغة أنفسهم، فعندما نريد ترجمة الكتب العربية المهمة إلي الأجنبية، علينا التوجه للمراكز الثقافية الأجنبية في مصر، الذين يرشحون مترجمين أكفاء لهذه الكتب، من بلدانهم الأصلية، كما أنهم سيدعمون هذه الترجمات ماديا بشكل قوي، أما عندما نترجم نحن هذه الكتب إلي لغتهم، تكون الترجمة لغويا صحيحة، لكن أسلوبيا لا يفهمها القارئ الأجنبي. ترحيب الكاتبة سهير المصادفة، مسئولة سلسلة الجوائز بهيئة الكتاب، جاء ترحيب مشروطا، حيث قالت: أرحب بهذه الفكرة بشرط عدم السطو علي مشروع ناجح آخر وعلي الهيئة أن تؤسس للأفكار الخاصة بها، وتكون لها شخصية وحضور مثل شخصية "سلسلة الجوائز" بالهيئة الناجحة التي تعبت عليها، وصنعت استراتيجية لها استغرقت أكثر من خمس سنوات، وعلينا ألا ننشئ مؤسسات للترجمة ليس بهدف منافسة بعضنا البعض، ولكن لمنافسة دولة مثل إسرائيل، التي تترجم مرة ونصف قدر ما نترجمه. من ناحية أخري رحب الدكتور فيصل يونس، مستشار رئيس المركز القومي للترجمة، بالفكرة قائلاً: نحن نحتاج إلي مائة ألف مؤسسة في الترجمة، لأن المركز القومي للترجمة يترجم بنسبة 1إلي 1000، مما يجب عليه أن يترجمه، فنحن نترجم ما يتراوح بين 300 إلي 350 كتابا في السنة، ونحن في حاجة إلي ترجمة حوالي 2000 كتاب في السنة". وأكد: في حال إذا ما تم تنفيذ هذه التوصية، سيكون هناك تنسيق وتعاون مع هيئة قصور الثقافة، باعتبارها جهازا من أجهزة وزارة الثقافة، ونطمح أن تساعد مراكز التوزيع المنتشرة في جميع أنحاء الجمهورية، في توزيع كتب المركز القومي للترجمة، في حال إذا ما كان هناك أفق واسع واستراتيجيات طويلة المدي". والأمر نفسه أكده الروائي يوسف القعيد، قائلا: أتمني أن يتم تنفيذ هذه التوصية والاستعانة بمترجمين أكفاء، حتي تخرج السلسلة في صورة أنيقة وناجحة، ودعنا نجرب، فلن نخسر شيئا، فإذا نجحت ستكون إضافة للحركة الثقافية، وإن لم ننجح فيكفي شرف المحاولة، وقال الشاعر نصار عبد الله (أسيوط): أرحب بهذه الفكرة لأن المركز القومي للترجمة صاحب ميزانية مادية محدودة، ولا يفي باحتياجات الترجمة في المجالات المختلفة، وأدباء الأقاليم لا يسهل عليهم أن يصلوا إلي مراكز الترجمة في العاصمة، وإذا كانت قصور الثقافة قد ارتضت علي نفسها أن ترعي أدباء الأقاليم في مجال الإبداع، فما المانع أن ترعاهم في مجال الترجمة.