يبدو أن عام 2010 سيطلق عليه عام (التقشف).. فقد وجد المسئولون عن موقع قاموس (Webster) الالكتروني أن أكثر كلمة تم البحث عن معناها هذا العام هي كلمة (Austerity)، أي التقشف.. وهي الكلمة التي باتت الأكثر استخداما من قبل السياسيين في وصف الخطوات الاقتصادية اللازمة لمجاراة ظروف هذا العام.. ويبدو أيضا من التعليقات علي الكلمة أنها تمثل العدو الأول بالنسبة لعامة الناس الذين ذاقوا الأمرين من جراء ظهورها وتطبيقها ومنهم من فقد وظيفته أو زادت ضرائبه أو قل راتبه أو زادت مصروفات أبنائه الدراسية أو كل هذه المظاهر التقشفية معا.. ولكن أفضل ما يتصل بهذا الخبر هو ما يخصنا نحن.. فنحن لم نر أو نسمع كلمة التقشف علي لسان المسئولين التنفيذيين وأصحاب القرار! هل لأننا لا نعاني اقتصاديا مثل تلك الدول الأوروبية التي يبحث مواطنوها عن الكلمة ومعناها؟ أم لأن لنا سياسات أخري في مواجهة المشاكل الاقتصادية لا تأخذ بطرق التقشف كما يأخذون هم بها؟ أم لأن مسئولينا لا يحبون أن يصدموا المواطنين بالحقيقة وحتي لو كانوا يأخذون بسياسة التقشف فهم لا يعلنون عنها؟ أم لأننا متقشفون أصلا ولا نحتاج للكلمة لوصف حالنا؟ الاختيار بين هذه الحالات ليس سهلا.. كما أنه لا توجد أي إشارات قوية لأي من الحالات السابقة نعانيها.. ربما لأن كلمة (الشفافية) عندنا ليست سوي مطلب نظري لا ينزل أبدا إلي أرض الواقع.. بل غالبا ما نعتمد سياسة قائمة علي تغييب المواطن عن حقيقة ما يحدث إما لأنه لن يفهم، أو لأنه لن يشعر بالتغيير.. ولذا لا ننطق بتلك الكلمة ولا نعترف بأننا نعتمدها كسياسة مواجهة للمشاكل الاقتصادية! وربما لا نصرح بالكلمة لأننا ننفذها جزئيا فقط.. بمعني أن التقشف يتم تطبيقه علي مواطنين من شرائح معينة دون غيرهم.. وعلي أماكن عمل دون سواها.. وبالتالي إذا صارت كلمة (التقشف) عامة ومعروفة لدي المواطنين، قد يقارن أحدهم حاله (المتقشف) بحال غيره الذي لم يصل التقشف إليه لا في عمله ولا في حياته اليومية ولا حتي في التسهيلات المصاحبة لوظيفته.. أما السبب الأكثر ترجيحا من قبل المهتمين فهو أن التقشف بالنسبة لنا ليس سياسة بل أسلوب حياة.. وليس مرتبطا بعام 2010 بل قد بدأ عندنا منذ زمن بعيد.. وأن الكلمة قد فقدت معناها لأنها لا تعني حالة جديدة ولا ترتبط بأوضاع اقتصادية حديثة ولا بمتغيرات عالمية قلبت الأوضاع كما هو الحال في الدول الغربية المسكينة التي كان مواطنوها يعيشون في رغد ويستهلكون دون حساب ثم فجأة وجدوا أنفسهم مضطرين للتقشف.. عموما الذي يدعو للتفاؤل هو أننا سنبحث للعام 2010 عن تسمية أخري غير (عام التقشف).. وإذا ساعدنا القدر في عبور الأيام القليلة المتبقية من العام دون جليد مثل الجليد الذي يكسو بلاد الغرب هذه الأيام، فلن نتقشف مثلهم لا من البرد ولا من غيره..