من التقاليد التي دُشنتْ مع نشأة الفيس بوك، تدشينات السوفت وير العرضة لنسيان ماحق مُقارَنَةً بتدشينات الهارد وير الثقيلة الباقية بين دفتي كتاب، هي كتابة الاستاتيوسات علي رأس الصفحات، وهي عبارة عن اقتباسات وأمثال وتلميحات وتلقيحات وشذرات وأقوال مأثورة وتعزيات وتهنيئات وسلامات. وما يعنيني هنا هو الاستاتيوس المكتوب من قِبَل كاتب مُحترف، لا سيما عندما يكون الاستاتيوس شذرة أو فقرة من كتاب سابق له. أول شيء يفعله الكاتب سريعاً بعد إعلان الاستاتيوس، هو إضافة تعليق بفارق زمني بينه وبين الاستاتيوس لا يتجاوز خمس عشرة ثانية، والتعليق عبارة عن ذكر صريح لمصدر الشذرة أو الفقرة، أي اسم كتابه السابق، ثم ينتظر بعد ذلك تعليقات الأصدقاء. لماذا لا يغامر صاحب الاستاتيوس، ويترك الشذرة دون تعريف، هل يخاف من نسبة الاستاتيوس إلي آخر؟ أم يخاف من حقيقة لا يتمناها أي كاتب، وهو عدم معرفة الأصدقاء بكتابه السابق، وفي أحسن الأحول إذا كان هناك مَنْ يعرف كتابه السابق، فهو قد لا يستطيع تذكُّر الشذرة المكتوبة علي الاستاتيوس التي تُصبح عُرضة للتخمينات، والتخمين علي الفيس بوك لا يخضع لهوس الحقيقة، بل يتجسَّد سريعاً في صورة تعليق فوري قد يؤذي الكاتب نفسياً، إذا كان يتَّسم بالحماقة أو السذاجة، وهذا كثير علي الفيس بوك، حتي إذا كان الكاتب من مَنْ يرمون بعرض الحائط اللياقات الفيسبوكية التي لا تُفضِّل حذف تعليق صديق، فسيبقي ألم الجهل بكتابه السابق فترة من الزمن، الجهل بشذرة كتابه يكون من أصدقاء مهنة حقيقيين، أي ليسوا أصدقاء بالمعني المجازي الخاص بترويسة الفيس بوك العامة، أصدقاء مهنة تجرَّعوا غصباً نسخة من الكتاب في زمن مولده السابق، وقرؤوا بشكل عابر تحت أعراف المهنة شيئاً من الكتاب، وقبل الكاتب بتواطؤ شبه القراءة، وأضمر لزميل المهنة قراءة مماثلة. وهذه بعض الشذرات المكتوبة علي صفحتي مع إضافة اسم الكتاب علي وجه السرعة. تَيهَاني أُراقبُ.. من كتاب الفصل في المضاف والمضاف إليه لمؤلفه كاتب هذه السطور. قلتُ لنفسي: هَلاَكُكِ أنا.. من كتاب حاشية علي خصائص ابن جني. حافي القدمين في حقل أحلام.. من كتاب حمل الغير علي ما يكرهه بالوعيد. أسْلَمني وتاه.. من كتاب إخراج القلب من ظلمة الشبهات. صوت دمي صارخ في البرية.. من كتاب إذا حرَّك الطائر جناحيه ورجلاه بالأرض قيل: دفَّ، فإذا طار قريباً علي وجه الأرض قيل: اَسَفَّ، فإذا كان مقصوصاً وطار كأنه يردُّ جناحيه إلي ما خلفه قيل: جَدَفَ، فإذا حام حول الشيء يريد أن يقع عليه قيل: رَفْرَفَ، فإذا بسط جناحيه في الهواء وسكَّنهما فلم يحركهما قيل: صَفَّ، فإذا ترامي بنفسه في الطيران قيل: زَفَّ، فإذا انحدر من بلاد البرد إلي بلاد الحر قيل: قَطَعَ. رجلاه ثابتتان ويداه جامدتان وجبهته ساحة قتال وعيناه لا تطول الجبهة.. من كتاب شروح علي رسالة الاختلاف والتكرار لجيل دولوز. هيجل الملتحي وماركس الأجرد.. من كتاب أقصي تحريفات ممكنة. أول سطر كوكايين حك أنف عارضة الأزياء البريطانية كيت موس.. من كتاب فينومينولوجيا روح النجوم. بيان عن مبدأ العلة الكافية عند شوبنهور.. من كتاب الجامع في الفلسفة الألمانية. التغيير الذي تمناه ولم ينطق به هو أخذ الأمر هذه المرة بصفات مناقضة للصفات التي تم عليها في المرات السابقة دون الإيحاء بأن الصفات الجديدة تتمتع بوجاهة تفتقدها الصفات القديمة إلا إذا خرجتْ منه إيماءة التفضيل خفية مُموهةً تماماً علي وعود التغيير.. من كتاب الرسائل.