أحمد السيد النجار رئيس الوحدة الاقتصادية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ينظر في كتاب جديد إلي نهر النيل "الذي بات محلا للنزاع السلمي" بوصفه قدرا وحقيقة جغرافية. يعدد أوجه مستقبل نهر شكل - تاريخيا وجغرافيا - قلب مصر الذي يمنحها الحياة. لكنه أيضا يعرض لتدخلات البشر - الخيرة والضارة - لدي تعاملهم مع مياه النيل ومحاولاتهم المستميتة لترويضها وضبط حركتها وتخزينها. أساطير النيل يقترن اسم النيل بالأساطير، بالتمازج الساحر بين المياه والبشر. وهذا التلازم شكل باعثا لتمحور الديانات المصرية القديمة حول النهر وأضفت عليه القداسة. بهذا المدخل التعريفي يتحدث كتاب "مياه النيل.. القدر والبشر" الصادر عن دار الشروق، عن النهر المتشتت ما بين حقائق الواقع والأساطير التي صاغها البشر علي مر العصور، ليتتبع نظريات نشأة النيل. يتحدث مؤلفه عن السد العالي - أحد أشكال التدخل البشري الذي أتت ثمار خيره - بوصفه مشروع التحول من الخضوع لمشيئة النيل إلي السيطرة عليه. ويسترجع حكاية تمويل بنائه باعتبارها ملحمة العزيمة والصداقة. تبدد المياه قبل التطرق بالتفصيل إلي رؤيته الشخصية لحلول مشكلة حصص مياه النيل بين دول الحوض، يشير النجار إلي مشروعات تنقذ المياه في مناطق تبددها، يقصد إيرادات النيل المائية الضائعة، كالأمطار التي تسقط في حوضه ولا تدخل مجراه، وتشكل نسبة 92% من الإجمالي في منطقة البحيرات الاستوائية العظمي، وهي مشروعات بإمكانها في نظر النجار أن تطرح إمكانية تطوير الإيرادات المائية للنهر وتقسيمها بصورة عادلة بين كل دول حوضه في إطار تعاوني، والتغلب علي قزم الإيراد المائي لنهر النيل مقارنة بالأنهار الكبري في العالم. ويمكن تدعيم وضع مصر المائي في هذه الحالة من خلال تطوير وترشيد آليات استخدام مياه النهر، وتغيير وتطوير أساليب الري وإعادة النظر في التركيب المحصولي، فضلا وهو الأهم عن ضرورة السعي لإقامة شبكة كثيفة من العلاقات الاقتصادية والعلمية والتدريبية والعسكرية مع دول الحوض. أما الاحتياجات المائية المستقبلية المتزايدة فيجب علي وزارة الموارد المائية التعامل معها بأحد أمرين: إما تخفيض المساحات المستهدف إصلاحها علي ضوء القيود المائية، أو أن تضع خطة عملية لتوفير المياه اللازمة للتوسع الزراعي، وذلك بإضافة موارد مائية جديدة أو بترشيد الاستهلال، حيث إن الاستهلاك المائي السنوي في الزراعة كما يخبرنا الكتاب سيصل إلي 27 مليار متر مكعب بحلول 2017. النهر العملاق يخضع لإرادة مصر يخصص المؤلف فصلا عن مستقبل العلاقات المائية بين مصر ودول حوض النيل علي ضوء التطورات السياسية في السودان، وذلك منذ بدأت إرادة مصر في ضبط النهر العملاق والتحكم فيه لتنظيم تدفق مياهه بصورة مستقرة علي مدار العام، إلي جانب تقليل أخطار فياضاناته بالطبع. يري المؤلف أنه بعد إقدام دول حوض النيل بتوقيع الاتفاق الإطاري دون موافقة مصر والسودان، وهو الذي يقضي بخلخلة حصتيهما الحاليتين في مياه النيل، فإن مصر مطالبة بتحرك سريع وطرح مبادرات تعاون ثنائي وجماعي في مختلف المجالات الزراعية والمائية والصناعية والخدمية والأمنية والعسكرية من أجل بناء جسر من الثقة والتوافق مع دول الحوض. ومن المؤكد أن العلاقات والتعاون بين دول الحوض ستأخذ أشكال مشروعات جديدة لتنمية وتطوير إيرادات النهر واقتسامها علي أسس عادلة ومتناسبة مع احتياجات كل دولة. وفي مقدمة تلك المشروعات كما يقترحها النجار: مشروع قناة جونجلي لحماية مياه بحر الجبل من التبدد في المستنقعات في جنوب السودان، وهو المشروع الذي توقف بسبب الحرب الأهلية، ومشروع إقامة سد علي قناة كازنجا، ومشروع تجفيف وردم مستنقعات بحيرة كيوجا، ومشروع حماية مياه بحيرة فيكتوريا من التبدد بالبخار. ؤأيقترح المؤلف أن تقود مصر باقي دول الحوض في مثل هذه المشروعات باعتبارها أكثر دول حوض النيل تقدما وثراء، بالمقارنة مع باقي الدول التي أصبح البعض منها كما يدلل النجار يعاني من "وضع مائي حرج"، خصوصا بعد بيانات الأممالمتحدة في تقرير التنمية البشرية لعام 1998، والتي تشير إلي أنه من المتوقع بحلول عام 2015 أن يبلغ عدد سكان دول حوض النيل من دون مصر نحو 380 مليون نسمة، وأنه بحلول عام 2050 سيكون هناك ثلاث دول من دول حوض النيل ستعاني من الندرة التامة للمياه، أي يقل نصيب الفرد فيها عن 500 متر مكعب من المياه في العام، وأنه لن يبقي من دول الحوض خارج الفقر المائي سوي السودان والكونجو. يخصص الكتاب فصلا عن النظريات الدولية في اقتسام المياه المشتركة، مع توضيح نقاط تشابهها واختلافها عن المنهج المصري في إدارة الشراكة المائية مع دول حوض النهر، وهو المنهج الذي يلخصه المؤلف في أن مصر ملتزمة بمبدأ التعاون واقتسام الإيرادات المائية، لكنها لا تقبل المساس أبدا بحصتها القائمة والمستخدمة فعليا من نهر النيل بالحكم التاريخي. انقسام السودان.. التحدي الأكبر والخلاصة الأهم هي الخيارات المائية لمصر في حالة انقسام السودان ما بين شمال وجنوب، يقول المؤلف أنه حان الوقت بالنسبة لمصر للنظر إلي خيار انقسام السودان علي أنه ممكن حدوثه بصورة أكبر من أي وقت مضي، وأنه لم يعد ملائما اعتبار قضية الانقسام والتعامل معها كشأن داخلي. ويعرض النجار تبعا لذلك التوجهات الضرورية للسياسة المصرية في حالة الانفصال وأهمها: إقامة علاقات قوية مع الجهات الرسمية والشعبية في شمال السودان وجنوبه زراعيا وتعليميا وصحيا وثقافيا وحتي عسكريا، تطوير البنية الأساسية وحركة النقل بين جنوب السودان وشماله وبين مصر ومنح كل ميزات الإقامة والدخول لمصر إلي الشماليين والجنوبيين علي حد سواء علي أن تكون ميزات متبادلة أيضا للمصريين.