التحليل السياسي الكامل لأي انتخابات برلمانية يستدعي انتظار نتائجها الكاملة، لقراءة خريطة الكتل السياسية داخل البرلمان، وبالتالي حساب المكاسب والخسائر، وقراءة مستقبل القوي والأحزاب السياسية المشاركة في العملية الانتخابية، لكن انتخابات مجلس الشعب لا تحتاج انتظار مرحلتها الأخيرة التي تجري اليوم لقراءة النتائج، فما حدث علي الساحة السياسية يفوق في تداعياته ما يمكن أن ينتج عن انتخابات اليوم. ولعل أهم قراءة يمكن الخروج بها أن نتائج المرحلة الأولي من الانتخابات ضربت الحياة الحزبية في الصميم، وأثرت علي مستقبل أحزاب المعارضة الرئيسية ومكانتها في الشارع، وإمكانية استمرارها في المستقبل، وقضت علي تيار المشاركة داخل تلك الأحزاب لصالح العناصر الأكثر تشددا والداعية إلي العزلة ومقاطعة العملية الديمقراطية. في حزب الوفد أعرق الأحزاب المصرية، وأكثرها ليبرالية، قرر الحزب الانسحاب من المرحلة الثانية من الانتخابات وسحب نوابه من مجلسي الشعب والشوري، لكن الملاحظة الأساسية أن ثلاثة فقط من بين ثمانية مرشحين للوفد في جولة الإعادة أعلنوا التزامهم بالانسحاب، فيما قرر النائبان الفائزان الاستمرار في البرلمان، ورفض نائب الحزب المعين في مجلس الشوري الاستقالة. عمليا يعني خروج نواب ومرشحي الوفد عن قرار الانسحاب أن الحزب سيفقد نوابه في البرلمان، وسيتحولون إلي مستقلين أو ينضمون إلي الحزب الوطني، وبالتالي يفقد الوفد أكثر نوابه شعبية، ويتلاشي وجوده البرلماني، ويتحول من حزب له تمثيل نيابي إلي حزب صغير سيكون مطلوبا منه إعادة بناء كوادر نيابية، وهي عملية ليست سهلة وتستغرق عدة سنوات حتي تؤتي ثمارها. أما حزب التجمع الذي واصل المشاركة في المرحلة الثانية من الانتخابات، فهو يعاني أزمة داخلية عميقة، حيث استقال عشرة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، ولا يحظي قرار المشاركة بشعبية في المحافظات، مما يعني أن التجمع يواجه أزمة عنيفة قد تقوده إما إلي انسلاخ نسبة كبيرة من أعضائه وقياداته عن الحزب، أو حدوث تغيير كبير داخل الحزب، يقصي القوي المعتدلة لصالح الأكثر تشددا المطالبين بمقاطعة العملية السياسية وإعادة بناء تجمع أكثر تشددا. وفي الناصري تبدو الأزمة أعنف إذ أن المطالب داخل الحزب تسير في اتجاه حل جميع الهيئات القيادية في الحزب، وإجراء انتخابات من القاعدة إلي القمة لإعادة تشكيله، أو تجميد الحزب والتحول إلي العمل السري، وليس الحزبي العلني الشرعي. وتؤدي هذه النتائج إلي تغييرات درامية في أكبر ثلاثة أحزاب معارضة بحيث تبدو في المستقبل أقرب إلي الحركات الاحتجاجية، مما يعني أن التحالف الداعي إلي التغيير عبر الشارع وليس عبر صناديق الاقتراع سيتسع بشكل غير مسبوق، وبدلا من أن تؤدي الانتخابات البرلمانية إلي تقوية الحياة الحزبية، وضخ الدماء في عروقها، يبدو أننا نسير في اتجاه حزب واحد كبير، وانتعاشة للحركات الاحتجاجية التي ساهمت أحزاب المعارضة في الحد من وجودها في الشارع خلال الفترة الماضية بانحيازها إلي العملية الديمقراطية، والتغيير بالمشاركة... لكن هذا التوجه سيتلاشي إلي حد كبير.