جُبِلت النفس البشرية علي حب الغايات القريبة السهلة، وعلي الولع بها والعمل علي تحقيقها سريعاً "خُلق الإنسان من عجل"، كما جُبلت أيضاً، إلا من رحم ربي، علي التقرب المشروط من مصادر الخير ، فالناس تلتف حول من يستطيعون أن يأخذوا منه "عرضاً زائلاً"، فيتسابقون إلي من عنده الذهب والفضة والسلطة، حتي إذا قضوا مآربهم وحققوا غايتهم انفضوا عن هؤلاء.. بل إن بعض الناس يطبق هذا السلوك في علاقته مع الله، فهو يصلي ويصوم ويتبرع من أجل قضاء حاجة وابتغاء خير معين، حتي إذا ما أصابه هذا الخير "انقلب علي وجهه" مرة أخري.. أو كما قال الشاعر "صلي وصام لأمر كان يقصده... فلما انقضي الأمر لا صلي ولا صاما". وفي تفسير القرطبي أن شيبة بن ربيعة قال للنبي - صلي الله عليه وسلم - قبل أن يظهر أمره: ادع لي ربك أن يرزقني مالا، وإبلا ، وخيلا، وولدا حتي أومن بك وأعدل إلي دينك؛ فدعا له الرسول بما أراد، فرزقه الله - عز وجل - ما تمني ؛ ثم أراد الله - عز وجل - فتنته واختباره وهو أعلم به، فأخذ منه ما كان رزقه بعد أن أسلم فارتد عن الإسلام، فأنزل الله تبارك وتعالي فيه قال تعالي: ومن الناس من يعبد الله علي حرف، فإن أصابه خير اطمأن به، وإن أصابته فتنة انقلب علي وجهه خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين (سورة الحج 11). وقد تعددت التفسيرات لهذه الآية، غير أنها في مجملها تؤكد أنه علي الإنسان أن يكون إيمانه خالصاً لله، وألا يكون مشروطاً بشرط، ولا محكوماً بقيد.. وألا تكون غايات الدنيا هي محددات الإيمان.. وفي الصحيحين عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال "والله ما الفقر أخشي عليكم، ولكن أخاف أن تُبْسَطَ عليكم الدنيا كما بُسِطَتْ علي من كان قبلكم فتتنافسوا فيها كما تنافسوا فيها، وتهلككم كما أهلكتهم ولذلك نجد في الأدعية المأثورة قولنا: اللهم يا مثبت القلوب، ثبت قلوبنا علي الايمان بك وعلي طاعتك، ولا تفتنا في ديننا فننقلب علي وجوهنا خاسرين. اللهم لا تجعلنا ممن يعبدونك علي حرف، اللهم ارزقنا ايماناً ويقيناً ليس من بعده كفر ولا شرك، اللهم زدنا علماً ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب.