تمتلئ السير الذاتية الحالية لشباب يبحثون عن عمل بدورات في التنمية البشرية فهل هذا يعزز موقفهم في إيجاد وظائف؟، وهل ما تحمله كتب التنمية البشرية من مضامين تختلف عن تلك المضامين التي يقدمها أطباء الطب النفسي لمرضاهم؟ وهل من يتولي تأليف مثل هذه الكتب دارسين متخصصين أم مدعي علم ليستغلون إقبال الناس علي علم جديد يعتقدون أنه يمكنه أن يحيي فيهم صفات لم تكن قائمة وتخرج منهم أفضل إبداعاتهم وقدراتهم الشخصية، عن كتب التنمية البشرية وأهميتها في المجتمع المصري ومدي إقبال الشباب عليها ومصداقيتها بين الناس كان لنا هذا التحقيق. يؤكد مدرب التنمية البشرية محمد طارق أن مدرب التنمية البشرية يجب أن يكون حاصلاً علي دورات في تخصصه من جهات معتمدة كما يجب أن يتوافر فيه الخبرة والاحتكاك المباشر بالناس لأن مهمته أن يساعد نفسه ويساعد الآخرين علي تحسين شخصياتهم وهذا ما أسعي إليه وهو ما ظهر في كتابي "طريقة التعلم السريع" حيث أسعي فيه إلي تقوية الذاكرة وتعريف الآخرين بأنماط الذاكرة للحصول علي أكبر قدر من الإبداع والابتكار. ويري مصطفي السيد سمير، الحاصل علي بكالوريوس طب، أن التنمية البشرية مهمة جدا وهي تختلف كثيراً عن مهمة الطب النفسي، ويقول: الطب النفسي يعني غالبا بالأمراض النفسية التي تخرج بالسلوك ونمط التفكير عن الطبيعي حيث يكون فيه أذي للإنسان ومن حوله أما التنمية البشرية فتتعامل مع متغيرات بشرية طبيعية تحاول تضخم المميزات الفردية وتحجم العيوب، ومعروف أنه بسبب البطالة العالية أصبحت السيرة الذاتية وسيلة للابهار أكثر منها مؤشر حقيقي علي طريقة تفكير طالب الوظيفة لذلك نجد الشباب الآن يتبارون للزج بدورات التنمية البشرية في سيرهم الذاتية. ويقول الكاتب عمرو عاشور الحاصل علي ليسانس آداب: التنمية البشرية علم حديث وأعتقد أنه خليط من علم النفس والاجتماع والمنطق، وكانت لي تجربة في هذا الموضوع من فترة فقد حصلت علي دورة تدريبية وفي الحقيقة استفدت منها جدا خصوصا في الكتابة الأدبية، لأني عرفت من خلالها كيف تستطيع أن تخاطب أكثر من شخص مختلف عنك، ولكن في نهاية الدورة شعرت أنها نوع من أنواع النصب، فقد كان من المفترض أن نحصل في آخر المحاضرة علي ما أسمته المدربة (تنويم جماعي) وحاولت أن تقنعنا أنها ستجعلنا ننام بالإيحاء وقد فشلت في هذا فشلا ذريعا مما يدل علي عدم تمكن مثل هؤلاء المدعين، والغريب في الأمر أن هذا العلم بدأ يأخذ طابعا دينيا وروحانيا علي الرغم من أنه علم غربي. ويتابع عاشور: المشكلة الحقيقية أن المدربين أنفسهم عندهم مشاكل كثيرة في التعامل مع الآخر، فمثلاً الدكتور ابراهيم مصطفي الفقي وهو أشهر المتخصصين وهو يلقي المحاضرة يقوم بعشرات الحركات اللا إرادية مع إنه المفروض أن يكون هو الذي يعالج مثل هذه الاشياء، إضافة إلي أن مؤلفي كتب التنمية لبشرية طوال الوقت يتحدثون عن إنجازاتهم الشخصية فقط ليروجوا لأنفسهم. ويضيف: ليست هناك مؤسسة متخصصة في تدريس هذا العلم في مصر تستطيع أن تعطي شهادة للمستحقين فأصبح كل من حضر دورة أو محاضرة كتابا ويلقي محاضرات وهي ظاهرة تذكرني بكتب الطب البديل. أما الشاعر نزار شهاب الدين، الذي اقترب من أحد مدربي التنمية البشرية فيقول: إذا نظرنا إلي كيفية التعامل تجاريا مع هذه الدورات سنجد أن لدي الشركات، رغبة في استغلال إقبال الناس علي منتج أو خدمة ما، تصبغ الأمر بصيغة التقليعة، وذلك من خلال التسابق إلي دخول المجال دون علم أو خبرة؛ وبالتسويق المبالغ فيه الذي يؤدي من جهته إلي تأجيج رغبة الناس في الدورات دون فهم أو تمييز للجيد منها أوالسيئ، وفي سعيها المحموم لنيل نصيبها من الكعكة، تقوم الشركات بتقديم أشخاص إلي منصة التدريب أقل ما يوصفون به هو أنهم غير مؤهلين، بل منهم - وهذا المنهج مشهود في مجال التدريب عمومًا - من لا تكون علاقته بالأمر إلا أنه قرأه في الليلة السابقة من كتاب أو مقال علي شبكة المعلومات. ويستشهد نزار بتجربة من تجاربه العديدة في هذا الإطار، قائلا: وُضع زميل لنا في موقف المدرب لدورة لا يعرف عنها شيئًا؛ فكان يحضّر الدرس ليلا وعن طريق البحث عن إجابات الأسئلة علي الإنترنت أو بالتراسل معنا بريديا أثناء فترات الراحة. وفي نهاية الدورة، جاء تقويم المتدربين عنه بقولهم: في الحقيقة، هذا المدرب يحظي بمهارات تواصل عالية لدرجة أننا خرجنا من الدورة ونحن لا نعرف إن كان يعرف شيئًا عما درّس أو لا. وتؤكد مدربة التنمية البشرية ريم اسماعيل أنها كانت تتجه إلي طريق التنمية البشرية منذ صغرها عن طريق قراءة كتب علم النفس وأخذ دورات تنمية بشرية وتحديدا في البرمجة اللغوية العصبية والتنويم المغناطيسي وتحسين أوضاع الشخصية وأصدرت كتابا بعنوان "كيف تعلم أن الآخر يكذب عليك"، كما شاركت في تأليف كتاب "أفضل دليل لعلاقة صحية" وقالت: كان سبب كتابتي لهذا الكتاب هو مشاكل العلاقات وسوء فهم الناس لبعضهم البعض، وعن الهجوم الذي تلمسه علي مدربي التنمية البشرية فتقول أن هذا شيء طبيعي علي كل ما هو جديد لأننا مجتمع بطبيعته لا يحب التغيير. وعلي عكس الآراء السابقة قالت الكاتبة رضوي الأسود: مصطلح التنمية البشرية مصطلح جديد علي السوق المصري، وظهر تحديداً وبقوة منذ خمس سنوات تقريباً، في هذه الفترة كانت هناك دراسات كثيرة طالبت بوجود مسئولين ومتخصصين في هذا المجال نتيجة انتعاش السوق المصرية بشركات مصرية وأجنبية، وبالتالي ارتفعت قيمة الدبلومة التي كانت تمنح من الجامعة الأمريكية والتي كانت تبلغ قيمتها منذ 5 أو 6 سنوات فقط خمسة آلاف جنيه، إلي أن وصلت الآن إلي 15000 جنيه مصري، فقد كانت ترتفع كل سنة بمقدار كبير". وأضافت: التنمية البشرية تتتفرع لفرعين أساسيين هما التدريب والتعيين، وفي رأيي الشخصي، وهو بالمناسبة رأي الكثيرين، أن التنمية البشرية لا تحتاج لدراسة أكاديمية بقدر ما تحتاج لدراسة احتياجات الفرد من دورات تدريبية لتنمية مهاراته لمجابهة احتياجات العمل المتزايدة، ويكفي أن تعلمي أن مسئول التنمية البشرية حتي وقت قريب لم يكن دارساً بالضرورة أو حاصلاً علي مؤهل ما خاص بها، فأي أحد كان قادراً علي ممارسة هذا العمل وبكفاءة طالما لديه الحس الكافي بطبيعة العمل ومتطلباته. وأكدت قائلة: بالتأكيد الدراسة الأكاديمية بها من الثراء الكثير، ولا نستطيع إغفالها، لكن يبقي الحس بطبيعة العمل واحتياجاته هو الأساس، فكم من ناس درسوا، ولم يستفيدوا بالقدر الكاف، طالما افتقدوا الخبرة العملية. ويقول حسام صلاح حاصل علي (ليسانس آداب لغة عربية) ولم يشارك في أي من دورات التنيمة البشرية أو سعي لقراءة كتاب فيها: أنا شخصيا لا أثق في معظم المدربين الذين يقدمون هذه الدورات لأن أغلبهم بدأ يأخذ الأمر ك"سبوبة"، وهي كدورات أو محاضرت لا تضيف كثيرا للشخص المتقدم للعمل خاصة إذا كان شخصاً يثق في نفسه ومحدداً لأهدافه بالإضافة إلي أن أغلب كتب مؤلفي التنمية البشرية تتشابه كثيرا مع بعضها البعض ولا تقدم جديدا.