ترددت لفترة كبيرة أن أكتب عن الانتخابات بسبب الصخب الدائر الآن الذي لا يستطيع أي شخص أن يتبين حقيقة الموقف خاصة إذا كان المرء من غير ذوي الانحيازات الحزبية مثلي وهم كثر ولكن الأمر امتد أيضاً إلي أصحاب الانحيازات من انشقاقات هنا وهناك ودوائر مفتوحة ودوائر مغلقة وانقلاب الحلفاء إلي خصوم وصحف وفضائيات فقدت حيادها وأخري لا تستطيع أن تحدد سياساتها أو استراتيجيتها الإعلامية وتحديد دورها في هذه المرحلة هل هي تسعي إلي التوعية والتنوير ونشر الثقافة الانتخابية الصحيحة التي تدعم حق المشاركة أم الترويج لمرشح أو حزب معين سعياً وراء الصفقات الإعلانية للحملات الانتخابية وفي وسط هذا الضجيج يضيع حق المواطن في المعرفة وهو الدور الأساسي للإعلام المستنير في هذه المرحلة الهامة والحاسمة. علي جانب آخر تقف المنظمات غير الحكومية من خلال تحالفات وائتلافات متفرقة بدون لجنة تنسيقية موحدة لمراقبة العملية الانتخابية ومن الطبيعي أن تصدر تقارير وبيانات متعددة مكررة أو متضاربة بل متناقضة في بعض الأحيان نظراً لاختلاف منهجية المراقبة وكفاءة ومهارة المراقبين أو حتي حيادهم وتخلف تقنيات المراقبة مثل مهارات التوثيق بالصورة أو الفيديو أو استخدام الجدولة الموازية أو الفرز السريع وكلها تحتاج إلي مهارة في استخدام التكنولوجيا والإلمام بعلم الإحصاء وإعداد ميزان الانتخابات ومعرفة أن الانتخابات هي علم متكامل هناك فرق بين القواعد القانونية المنظمة للانتخابات وقواعد اللعبة الانتخابية. والأولي تضبط قواعد هذه اللعبة وتحد من عمليات الفساد فيها وعدم الإلمام بقواعد اللعبة في جميع مراحل العملية الانتخابية يؤدي إلي عدم إمكانية المراقب في الرصد الدقيق لانتهاكات المعايير الدولية للانتخابات الحرة النزيهة وقواعد اللعبة الانتخابية تتسم بالمرونة والتغيير المستمر. وتختلف من بلد إلي بلد ومن دائرة إلي أخري وباختلاف الثقافات والعادات والتقاليد السائدة وبحسب طبيعة ونظام الانتخابات وهو أمر يفتقده المراقبون المحليون فتضيع الحقيقة ولا نستطيع أن نستبين علي وجه الدقة أوجه العوار الذي أصاب العملية الانتخابية. علي الجانب الآخر يقف المجلس القومي لحقوق الإنسان ليلعب دور الوسيط بين المنظمات غير الحكومية واللجنة العليا لمراقبة الانتخابات في منح تصاريح المراقبين المحليين في ظل الضوابط المثيرة للدهشة ومن بينها عدم انتماء المراقب لأي حزب سياسي. وهو معيار يصعب التحقق منه إلا من خلال المسح الأمني واللجنة لا تملك ذلك لأنها لجنة مستقلة فحياد المراقب أمر واجب ولكنها مسألة ضميرية بحتة تتحمل مسئوليتها الأدبية والمعنوية الجهة التي قامت بترشيحه الأمر الآخر الذي جانبها فيه الصواب هو منع المراقبين من الحصول علي المعلومات والإفادات من الناخبين أو المرشحين من اللجان الانتخابية رغم أنها تتعلق بعمليات التوثيق الضرورية. الأمر الآخر بالنسبة للمجلس القومي لحقوق الإنسان فقد أسس وحدة لمراقبة الانتخابات بدعم وتمويل البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وسبق لهذه الوحدة أن قامت بمراقبة انتخابات مجلس الشوري إلا أنها ارتكبت خطأ فادحا بعد إعلانها عن تقريرها للرأي العام واكتفت بمناقشة التقرير مع الجهات المعنية وارتكاب المجلس لذات الخطأ في المستقبل قد يؤدي إلي أن يفقد المجلس مصداقيته أمام الرأي العام. والأمر الآخر أن يكف أعضاؤه عن الحديث بصفتهم عن سير العملية الانتخابية ففي انتخابات الشوري خرج بعض أعضائه يشيد بسير العملية الانتخابية وبعدها خرج مسئولون رسميون ليعلنوا عن عوار أصاب العملية ووعدوا باستدراكه مما أوقع هؤلاء الأعضاء والمجلس في حرج شديد وأن يؤمن أعضاؤه أن دور المجلس هو الكشف عن الممارسات المنافية لحقوق الإنسان واقتراح التدابير المناسبة لمعالجتها وهذا يعزز دوره في حماية حقوق الإنسان ويعزز دور النظام السياسي ورغبته الحقيقية في حمايتها وألا يشارك في المولد الانتخابي بقرع الطبول المؤيدة. أما اللجنة العليا لإدارة الانتخابات فإن نصوص قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية لا يعطي لها صلاحيات حقيقية ملزمة ولا آليات مناسبة لإحكام الرقابة علي العملية الانتخابية فالجداول الانتخابية في يد وزارة الداخلية وقبول طلبات الترشيح يتم في مديريات الأمن والطعون والتظلمات خارج إطار اللجنة ولا يوجد لديها صلاحيات كافية لمراقبة الإنفاق الانتخابي ومجاوزة السقف الذي تحدده أو سلطة شطب المرشح أو لجان فرعية في المحافظات لمراقبة تنفيذ قراراتها تستمد صلاحياتها من القانون مباشرة علي العكس تماماً من اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية التي تتمتع بكل هذه الصلاحيات بموجب قانون إنشائها. واللجنة بموجب القانون لها موازنة مستقلة تدرج كرقم واحد في الموازنة العامة ولا تعلن اللجنة إعمالاً بمبدأ الشفافية عن أوجه إنفاق الموازنة فمن المفترض أن تقوم اللجنة بضبط قواعد المولد الانتخابي بتخصيص جزء من الموازنة للتوعية الانتخابية تستهدف الناخبين علي اختلاف مستوياتهم مع الأخذ في الاعتبار الناخب الذي لا يجيد القراءة والكتابة والذي ما زال ينتخب بالرمز. الأمر الهام جداً أن تضع اللجنة القواعد الحاسمة بحماية الصحفيين والإعلاميين خلال مراحل العملية الانتخابية فبدون تغطية إعلامية واسعة لهذا الحدث وحرية وأمان شخصي محكم للإعلاميين ستفقد العملية مصداقيتها وسيظل صاحب المولد غائبا ومغيبا.