عودة إلي مسرحية" الموت يأخذ إجازة" التي قدمها المسرح القومي في موسم 60.59، والتي شعرت وأنا أشاهدها أن الكتابة للمسرح هي مهنتي الحقيقية التي كنت ومازلت أبحث عنها، فعندما تمارس فنونا عديدة في مجال الفن، تستولي عليك حيرة شديدة ناتجة من سؤالك لنفسك.. نعم.. أحب التمثيل الكوميدي.. وأقرأ بشغف، وأقول مونولوجات، وأغني، وأقدم فقرات فكاهية من تأليفي، وأكتب خطابات غرامية طويلة لحبيبتي عندما قرأتها أستاذتها قالت لها: حبيبك سيكون أديبا كبيرا. ولكن من أنا..؟.. أو بالتحديد ماذا أنا؟ هذا هو العرض المسرحي الذي أجاب عن سؤالي ووضعني علي بداية الطريق، تأثير العرض المسرحي علي كان قويا إلي درجة جعلتني أقول لنفسي.. اجهز.. استعد.. أنت كاتب مسرحي لم يكتب بعد وعليه أن يكتب، إذا كان هناك عمل يتسم بكل هذا الجمال وهذه الصنعة الجميلة فلا بد أنه عملك.. هيا.. أذكرك بأحداث العرض.. حصل ملاك الموت علي إجازة أربع وعشرين ساعة نزل فيها الأرض ضيفًا علي أسرة متنكرًا علي هيئة شاب وسيم، لم يمت أحد علي الكرة الأرضية أثناء إجازته، وفي هذه الإجازة السريعة تعرف علي فتاة وقامت علاقة حب قوية بينهما، وبدأ يتعذب لأنه من المحتم أن يفارقها، فذهابها معه إلي محل إقامته الذي لا نعرفه ولا يعرفه أحد، معناه أن تموت.. غير أنها أصرت علي أن تصاحبه حتي بعد أن أفصح لها عن شخصيته الحقيقية، وأن عمله الحقيقي هو قبض أرواح الناس. المسرحية تناقش أكثر قضايا الحياة والفلسفة بسهولة وبساطة وإبداع جديرة بالإعجاب والتقدير. المؤلف يؤكد أن أجمل ما في الحب هو الحب نفسه، وأننا عندما نقع في الحب فلا يجب علينا أن نتساءل، مع من نحن ذاهبون أو إلي أين نحن رائحون. كفي علينا الاستمتاع بالحب نفسه. أما علي مستوي الصنعة فقد نجح المؤلف الإيطالي البرتو كاستيللو (شفت أنا لسه حافظ اسمه ازاي؟) علي مستوي الصنعة في تحقيق التحدي الحقيقي الذي يواجه كتاب المسرح وهو الحفاظ علي ما نسميه، وحدات أرسطو الثلاث وهي: وحدة الفعل ووحدة المكان ووحدة الزمان. هذه الوحدات الشهيرة عند المسرحيين (The three unities of Aristotle ) التي يحاول الكاتب المسرحي بكل ما لديه من قوة تحقيقها أو حتي الاقتراب منها، اكتسبت قداسة عند قداما النقاد إلي الدرجة التي جعلتهم لا يعترفون بعمل مسرحي لا تتوفر له هذه الشروط. وهذا ما عطل المسرح طويلا إلي أن جاء أخونا عبقري العباقرة شيكسبير وأثبت أن الوحدة الحقيقية التي يجب الالتزام بها هي وحدة الفعل، أما وحدة الزمان ووحدة المكان فمن الممكن التعامل معهما بالمزيد من الحرية. وحدة الزمان تفرض أن تدور أحداث المسرحية في ليلة واحدة أو ثلاث ليالي علي الأكثر، ووحدة المكان كانت تحتم اختيار مكان لهذه الأحداث لا تغادره شخصيات العمل منذ بدء فتح الستار إلي نزولها. اتضح أنه لا أهمية فعلية لهاتين الوحدتين عند المتفرج، مع تحذير شديد.. ليس معني ذلك أن تدور أحداث الفصل الأول مثلا في يوم محدد وأحداث الفصل الثاني بعدها بعام أو عدة شهور، يعني باختصار ليس من المحتم الالتزام بوحدتي الزمان والمكان غير أنه ليكن واضحا لديك أنك كلما التزمت بهما، كان عرضك المسرحي أقرب إلي القوة. نأتي الآن إلي وحدة الفعل، لكل مسرحية تيمة أساسية ( Theme ) يسميها الأستاذ لاجوس أجري، المقدمة المنطقية التي ستنبني عليها أحداث المسرحية.. فما هي وحدة الفعل.. فاصل ونعود.