وصلتني هذه الرسالة من ولي أمر أحد التلاميذ: (ألحقت ابني الصغير بمدرسة عريقة بالإسكندرية.. كلية النصر للبنين (فيكتوريا كوليدج)، الصحيح أنها لم تصبح كما كانت ولكن تاريخها العريق واسمها الرنان لطالما أبهراني. (ومن فترة وجدت ابني الذي وصل للصف الثالث الابتدائي مهمومًا وحزينًا، فسألته عن سبب ضيقه الشديد الذي جعله ينام منذ الرجوع من المدرسة حتي الساعة العاشرة مساء ولا يريد أن يستيقظ للمذاكرة). (وأجابني أن مدرس الرياضيات عاقب الفصل كله بأن جعلهم يقفون ويرفعون أيديهم إلي أعلي ومن ينزل يده، لو تعب، كان يضربه بمنتهي العنف والقسوة بكف يده علي ظهره ثلاث أو أربع مرات). (وشرح لي ابني مدي الهيستيرية، التي لم تصب هذا المعلم وحده، ولكن أصابت الأولاد بالرعب والهلع، لدرجة انهيار بعض الأولاد، حتي أني سألت ابني هل بكيت؟ فقال ببراءة، بصراحة خفت أن أبكي يابابا)! (لم أنم هذه الليلة وكنت أنوي أن أذهب في اليوم التالي حتي أذيق هذا.... كل أنواع العذاب والعنف التي لم يسمع عنها، ولكني بعد تفكير آثرت أن أسلك الطريق الشرعي، أولاً لمجرد التجربة، وكان أملي ضعيفًا جدًا في هذا الطريق، ولكن كان علي أن أجرب هذا الطريق بداية، وكنت أنوي أن أصعّد المسألة حتي أصل لوزير التربية والتعليم، لأري هل كلامه وتصريحاته صحيحة أم مجرد أحاديث تليفزيونية، وقررت إنه ثانيًا لو فشل هذا الطريق (يبقي أعمل اللي كنت ناوي أعمله)، ولا أخفي أنني كنت أتمني أن يفشل هذا الطريق لأنتقم لابني بيدي، بعد أن أثبت لنفسي أنني كإنسان متحضر لم أنجح في تحقيق العدل، فما باليد حيلة يبقي ألجأ للعنف)! (وذهبت إلي مدير الكلية وبمجرد أن شرحت له ما حدث في عبارات مقتضبة، فوجئت بالرجل ينتفض ذعرًا واتصل بمديرة المدرسة الابتدائية وأمرها بإيقاف هذا المدرس عن العمل وإرساله حالاً لإدارة الكلية، وسمعت بعد ذلك أنه منعه من الدخول لهذا الفصل وأجري له تدنية وظيفية). (الغريب في الموضوع أن السيدات المحترمات أمهات غالبية الأولاد وكلهن من الفضليات قررن الذهاب لمدير الكلية لإقناعه بإعادة هذا المدرس الذي تم عقابه، مع علمهن بما فعله من ترويع لأبنائهن، لأنه كما قلن مدرس كفء). (وأنا غير مستغرب مما حدث من هذا المدرس، ممكن أن يكون واحد مريض وهذا شيء طبيعي ومحتمل، وأمر عادي أن يكون هناك مدير حازم وملتزم بالقوانين وحريص علي أبنائه الطلاب وعلي مصالحهم الحقيقية، وحريص علي تربية رجال وليس قطيعًا من النعاج). (ولكن الحقيقة أنا مندهش من موقف السيدات أمهات الطلاب العجيب، وكأنهن يعتمدن المثل القائل: «علشان ما نعلي ونعلي ونعلي لازم نطاطي نطاطي نطاطي»). (ما السر في هذا الخنوع والانحدار وعدم الكرامة؟ ألهذا الحد هان علينا أبناؤنا، كيف نواجه أعداء هذا البلد وهذه الأمة المصرية العظيمة بجيل من الأذلاء المنكسرين عديمي الكرامة). (ماذا نكسب إذا تخرج أولادنا كأطباء أو مهندسين أو محامين أو ضباط حتي وهم عديمو الكرامة؟). انتهت رسالة الأب، وهو يختمها بما ينبغي أن أعلق به، وإذا كنت لا أعرف هل استجاب مدير الكلية إلي طلب الأمهات الشفيعات للمدرس.. فإن الواقعة تشير إلي أمر جوهري في إصلاح التعليم.. يتم إغفاله غالبًا من الجميع.. وهو دور البيت الذي يعين المدرسة علي أن تقوم بدورها. لقد وجد وزير التعليم صعوبة في أن يُفرض قراره التنظيمي علي ناشري الكتب الخارجية بسبب ضغوط رهيبة من أولياء الأمور.. ووسائل الإعلام.. وهو نفس المنطق الذي لابد أن مدير المدرسة قد عاناه حينما علم بتلك الشكوي في حق مدرس من واجبه ومهمته أن يعاقب التلاميذ حين يخطئون ولكن ليس من حقه أبدًا أن يفرض عليهم هذا العقاب الجماعي المذل. إن الرأي العام يمكن أن يساند الإصلاح.. كما أنه أيضًا يمكن أن يعوقه ويعرقله. الموقع الالكتروني : www.abkamal.net البريد الالكتروني : [email protected]