أبلغت وزارة الخارجية سفراء الدول الأوربية بالشكاوي المتكررة التي تصل إليها من جراء سوء معاملة المصريين الراغبين في الحصول علي تأشيرة سفر إلي الدول المرتبطة باتفاقية "تشنجن"، وهي ليست شكوي جديدة، فمنذ بضعة أشهر أعرب عدد من كبار رجال الأعمال عن رفضهم لطول المدة للحصول علي التأشيرة، التي تصل في أحسن الأحوال إلي أسبوعين، مما يترتب عليه تعقد عمليات التبادل التجاري. ولكن يبقي الوضع علي ما هو عليه، ومهما حصلت علي التأشيرة، فالمدة التي يستلزمها الحصول علي التأشيرة لا تتغير، مهما علا قدر الشخص أو هبط، المسألة في المقام الأول استعلام أمني وتحريات، تجري كل مرة. منذ عدة سنوات، وبالتحديد في منتصف التسعينيات كنت في اليونان، وتصادف أن واجهت صعوبات، وسوء معاملة قبل الحصول علي التأشيرة في النهاية، التقيت بالسفير المصري هناك، السيد سمير سيف اليزل، الذي أظهر تفهما، وذكر لي أنه سبق الشكوي إلي الحكومة اليونانية من سوء تعامل الموظفين اليونانيين مع طالبي التأشيرات من المصريين، وعلي أثر ذلك قامت الخارجية اليونانية بتغيير طاقم السفارة بالقاهرة، ولكن المشكلة الحقيقية أن هناك الآلاف من المصريين من المقيمين باليونان، بدون الحصول علي أوراق إقامة رسمية. وهو ما يشكل نوعا من الضغط علي صانع القرار، هنا وهناك. هذه مجرد مشكلة عابرة، والحديث كان قبل سنوات من أحداث 11 سبتمبر التي قلبت الموازين، ورفعت مساحة الشك والارتياب، وجعلت الموقف أكثر تعقيدا. وفي كل يوم تطالعنا الصحف بأنباء عن إحباط محاولات للهجرة غير الشرعية، يجعل الدول الأوربية أكثر ارتيابا وشكا، وهو ما ينعكس علي السلوك السلبي تجاه طالبي التأشيرات هنا في القاهرة. ولكن، والحق يقال، الجانب الأكبر من المعاملة السيئة يأتي من الموظفين المصريين العاملين في السفارات، الذين يتصورون أنهم في وضع متميز، ويعكسون حالة من الاستعلاء غير المفهوم أو المبرر في التعامل مع المصريين. حدث يوماً أن كنت طالبا تأشيرة في سفارة "سويسرا" منذ ثماني سنوات تقريبا، وما كان من الموظفة المصرية التي تعمل في السفارة علي "الكاشير"، يعني أنها تتلقي رسوم التأشيرة لا أكثر ولا أقل، أن طلبت أن أعطيها المبلغ بأوراق كبيرة فئة المائة جنيه، ولما لم يكن لدي سوي فئة العشرين جنيها، أصرت علي أن أذهب إلي خارج السفارة حتي أحصل علي أوراق مالية أكبر، رفضت، وهددتها بتحرير محضر لها بقسم الشرطة لرفضها قبول العملة الوطنية، وهي بالمناسبة جريمة يعاقب عليها القانون. يبدو أنها شعرت بأن سلوكها الأرعن سيقود إلي مشكلة فرضخت في النهاية. بالتأكيد لا توجد تعليمات صادرة من السفارة بمثل هذا الشأن، ولكن الموظفة تريد أن تجرد ما في صندوقها من مبالغ بسير وسهولة في نهاية اليوم حتي إن كان ذلك علي حساب راحة المتعاملين معها. أعرف سيدة فاضلة من عائلة مرموقة ذهبت إلي مكتب الحصول علي التأشيرات التابع للسفارة البريطانية. وفي اليوم المحدد للحصول علي التأشيرة ذهبت، وحصلت علي جواز السفر في مظروف مغلق، ومعه نصيحة بألا تفتح المظروف إلا بعد أن تغادر مقر المكتب، وهو بالمناسبة عبارة عن شقة في الزمالك. فعلت السيدة ذلك، وهبطت بالمصعد إلي مدخل العمارة، وحصلت علي ما تركته لدي الأمن، واستدارت للخروج، فقامت بفتح المظروف الذي بين يديها، فما كان من موظف الأمن، تابع لشركة أمن خاصة، أن صاح بصوت عال طالبا منها عدم فتح المظروف، مما دفعها للانفعال، ولومه أمام الناس، ولم يستطع أن يرد أو يفعل شيئا. هذه مجرد أمثلة عابرة علي سوء التعامل مع الناس، وهي تصرفات صادرة عن موظفين مصريين يعملون في السفارات، وقد نقلت الأخبار أن وزارة الخارجية ذكرت لسفراء الدول الأوربية، إن هؤلاء الموظفين يعملون تحت إمرتهم، ويلتزمون بتعليماتهم، وإن أساءوا معاملة المصريين طالبي التأشيرات، فاللوم يوجه في النهاية إلي مكان العمل، أو رب العمل، يعني السفارة التي يعملون بها. هل هناك شعور لدي هؤلاء بأن الناس مستعدة لتحمل كل شيء مقابل تأشيرة السفر إلي أوربا؟ أم أنه شعور سلبي لديهم بأنهم مثل موظفي البنك تمسك أيديهم بالملايين ولا يملكونها؟