أعود لأكتب عن الترجمة مرة أخري بالرغم من أنني كتبت عنها منذ عشرة أيام فقط.. ولكن اليوم ال30 من سبتمبر يوافق اليوم العالمي للترجمة والمترجمين وقد رأيت في هذه المناسبة ما أعادني مرة أخري لمناقشة أحوال الترجمة في بلدنا.. اختير هذا اليوم في عام 1953 لأنه يوافق عيد القديس جيروم.. وهو الذي قام بترجمة الإنجيل إلي اللاتينية في القرن الأول الميلادي ويعتبر أبا للمترجمين بسبب تفانيه في عمل الترجمة وترجمته المعتمدة التي مازالوا يرجعون إليها في كثير من الأبحاث الإنجيلية.. ثلاثة وعشرون عاما قضاها هذا الرجل في ترجمته.. هذا هو عمل الترجمة الذي يحتاج إلي شخص متميز بصفات الدأب والمثابرة والصبر وبذل الجهد والدقة إلي جانب القدر الهائل من المعرفة اللغوية، والعلم والثقافة الكافية للقيام بعملية الترجمة علي حسب مجالها.. منذ أكثر من خمسين عاما تم تكوين الاتحاد العالمي للمترجمين وهي الجهة التي جعلت من اليوم احتفالا عالميا للمترجمين.. وقد اعتمد رسميا ليضم ما يهم المترجمين حول العالم ويبين قيمة الترجمة وبخاصة في العقد الأخير منذ بدأت دعاوي العولمة وتضاعفت قيمة الترجمة.. ومما لا شك فيه أن انهيار الحدود الثقافية بين دول العالم وحضاراته المختلفة قد أعطي للترجمة منظورا جديدا أكثر أهمية وتأثيرا عن ذي قبل.. وصار نقل المعرفة باللغات المختلفة ضرورة لا اختيار.. كما تعددت الوسائل المساعدة بشكل غير مسبوق لتيسير عملية الترجمة مع ظهور القواميس الإلكترونية من جانب ثم الإنترنت من جانب آخر.. ومع ذلك، ومع أن المترجمين الحاليين لا يلقون المشقة التي لاقاها جيروم في القرن الأول، مازال العالم المتحضر يعي جيدا مدي صعوبة عملية الترجمة وتأهيل المترجم مهما توافرت الوسائل التي تساعد في الوصول إلي الكفاءة المطلوبة.. فالعنصر الإنساني لا يمكن الاستغناء عنه أو استبداله في الترجمة لأنها نشاط إنساني فني لا ولن تستطيع التكنولوجيا الحديثة القيام به كاملا.. ولذلك تستثمر البلدان المتحضرة الكثير في عملية تأهيل المترجمين لمواكبة التطور العالمي والأخذ من الثقافات الأخري من ناحية، ولنقل وعولمة الثقافات المحلية لتلك البلدان وتعريف العالم بها من ناحية أخري.. ولا يخفي علينا جميعا أن المترجمين المصريين كان لهم باع طويل وشهرة عظيمة وإنتاج وفير كما وكيفا في الأعمال المترجمة في النصف الأول من القرن العشرين.. وتضم مكتبتي عشرات الكتب الصغيرة ذات الأوراق الصفراء والتي لم يتعد سعر الواحد منها ثلاثة قروش مصرية من سلسلة (كتابي) ترجمة (حلمي مراد) والتي كان قد أهداها لي منذ سنوات طويلة أحد أصدقاء أبي عندما رأي في عيني الشغف بمثل تلك الأعمال المترجمة.. وقتها أهدي لي مجموعته كاملة وأذكر أن أكثر ما ذهب بعقلي حينها أن (حلمي مراد) هذا كان يقوم بالترجمة من عدة لغات أوروبية إلي العربية.. أين هؤلاء الآن؟ وما الذي أخر الترجمة في بلدنا؟ وفي المقابل: ماذا تفعل دول أخري لتشجيع الترجمة والمترجمين؟ نحاول أن نجد إجابات في بقية الحديث..