كانت الدكتورة ابتهال يونس، زوجة المفكر الراحل الدكتور نصر حامد أبو زيد، أكثر حضور الاحتفالية التي أقيمت له بدار الأوبرا مساء أول أمس، قوة واحتمالا، فبينما غلبت الدموع حديث الناشر اللبناني حسن ياغي، أحد أبرز ناشري كتب نصر الفكرية، لدرجة دفعته لمغادرة المنصة، نزلت يونس خلفه لتواسيه وتشد من أزره يونس اعتبرت أن الاحتفالية هي بداية الطريق، وقالت: المفكرون لا يموتون، ليس فقط بكتبهم ولكن أيضا بحرصهم علي التواجد والحضور علي الساحة الفكرية، والموت الحقيقي لنصر هو الموت علي الساحة الفكرية لذلك أطلب منكم أن نعمل علي أفكاره ومنهجه العلمي من خلال اللقاءات والمؤتمرات والندوات، رغم أنه لم يكن يحب كلمة مشروع أو مدرسة، وهذا يقع علي الباحثين الشبان، كما يجب علينا أن نظل نهتم بنصر الإنسان بتواضعه وسماحته بانفتاحه العقلي والقلبي والروحي وبعناده في الدفاع عن الحق". الاحتفالية كانت بمثابة تظاهرة كبيرة من الحب والتقدير لأبوزيد حضرها عدد ضخم من الكتاب والمثقفين العرب والمصريين، منهم سعيد الكفراوي وجابر عصفور، وحسن حنفي وأحمد مرسي زين العابدين فؤاد وعماد أبو غازي، وخيري دومة وعلي مبروك وشيرين أبو النجا، مني ذو الفقار، وأحمد زايد ويحيي الجمل والمستشارة تهاني الجبالي وشوقي جلال وتوفيق صالح ومني ذو الفقار، ومن لبنان: كريم مروة ومصطفي حجازي ودلال قنديل وسعاد قوادري زوجة الروائي الراحل عبد الرحمن منيف، وغيرهم. أبوزيد يضحك الحضور تخللت الاحتفالية مقاطع من فيديو لمحاضرة أبو زيد عن "الفن وخطاب التأويل" كان قد ألقاها عام 2008، وبسبب حديثه البسيط الساخر، ضحك الحضور أكثر من مرة خاصة حينما كان يتحدث عن تحريم التماثيل بدعوي منع الناس من عبادتها، وفي تلك المحاضرة قال نصر: تمثال نهضة مصر كان بتبرعات المصريين، فهل كلهم كفرة؟ وقد أكد علي أن المشكلة تكمن في تجريف العقل، كما أكد علي أننا لدينا ثقافة سمعية تعادي الفنون البصرية.، كما ضحك الحضور مرة أخري حينما قدم الدكتور أحمد مرسي ابتهال سالم قائلا: أقدم تلميذتي، "الجدعة" "نصر هال" التي لم يرهبها الحكم، والتي سخرت ممن أرادوا أن يزوجوها من نصر مرة أخري بعد الحكم. حمي الندوات والاحتفالات اعتبر مرسي الذي قام بتقديم الاحتفالية أنها بمثابة يوم للدفاع عن الحرية الفكرية والتعبير عن موقف المثقفين الداعي لمواجهة الأفكار بالأفكار وليس بمنطق المحاكمة أو الاستبعاد أو القتل، وقال: نحن هنا لإعلاء قيم الحق والخير، فنصر وقف في وجه نمط من التدين المكشوف الذي تجعل فيه الحناجر دفاعا عن كل ما هو شكلي، ووقف في مواجهة نوع من رجال الدين يستمدون سلطتهم من تأويل بعض النصوص الدينية مما يجعلهم يرفضون أي تأويل آخر لها، والمحنة التي مر بها مصر محنة وطن بأكمله. وأعلن مرسي عن عدد كبير من الاحتفالات بنصر تقام خلال الشهور القادمة، ومنها احتفال اتحاد كتاب مصر- فرع طنطا يوم الأربعاء القادم، وتخصيص يوم كامل في مؤتمر "الجمعية الفلسفية المصرية" السنوي يوم 15 ديسمبر القادم، واحتفال البيت العربي بمدريد، وجامعة الإنسانيات بهولندا في شهر أكتوبر القادم وغيرها، إلي جانب الاحتفال الذي يقام بلبنان في شهر أكتوبر القادم، كما دعي الأمين العام لمجلس الأعلي للثقافة، الدكتور عماد أبو غازي إلي عقد لقاء آخر في العام القادم. التشديد علي قبول الاختلاف قالت الدكتورة آمنة نصير أستاذ الفسلفة الإسلامية بجامعة الأزهر: يعز علي أن أقف هذا المقام لكي أودع صديقًا حبيبًا وزوج صديقة حبيبة، أتمني أن يجد عند الله ما لم يجده عندنا من حب إلهي وأمن وسكينة، لقد لقيته لمرة ثانية عندما رشحت أستاذا زائرا لجامعة لايدن، بمعرفة وزارة الخارجية، عندما وصلت إلي هولندا، علمت أن نصر في مؤتمر بفرنسا بعد يومين جاء صوته عبر التليفون وقال أنا أنهيت المهمة، فأحسست أن مصر كلها جاءت لتستقبلني، وكان لقاءا أخويا، وطلب مني ألا أغضب إذا وجدت معاملة فاترة من القسم، وحينما تساءلت عن السبب، ضحك وقال (c.v) بتاعتك عملت إشكال أنك محجبة وكل كتاباتك إسلامية فخشوا أن تكوني إرهابية، حينها علمت كم دافع عني نصر". وأضافت: أكبر محنة نمر بها الآن هي عدم قبول الاختلاف وانعدام تلك الثقافة، مع أن الاختلاف إرادة بشرية وليس رغبة بشرية، فالله خلقنا مختلفين ولم يرد أن نكون أمة واحدة، لكننا صرنا أوصياء علي بعض، وللأسف دخلنا في العشرين سنة الأخيرة في التدين الخارجي، وهي معركة تحتاج الصبر. وأضاف المفكر السوري الدكتور برهان غليون مدير مركز دراسات الشرق المعاصر: نحن هنا ندافع عن حق نصر حامد أبوزيد وحقنا جميعا في أن نعبر عن ما نفكر فيه حقا، وما يمليه علينا ضميرنا، وألاّ نجبر علي أن نفكر حسب ما يملي علينا أصحاب السلطة سياسية كانت أو دينية، نحن مجتعات تعيش حالة تحول سريع واختلاف حتي في شكل تصورنا لمستقبلنا وأوضاعنا السياسية والاقتصادية، وكمفكرين علينا أن نفكر وأن نخطئ، ولكن لا أن نكفر أو نتهم بالإلحاد لأننا لا نملك الحجة العلمية في الدفاع، فالعقل لا يعني العداء للدين، فإذا لم نتفق ونقبل بالاختلاف سيزداد العنف، فليس لأحد منا أن يدعي أنه وصل للطريق الحق أو لديه التصور الصحيح. أهداف نصر قال الدكتورحسن حنفي: أصول أبو زيد الفكرية ترجع إلي عبدالقادر الجرجاني، وأمين الخولي، سيد قطب وشكري عياد وغيرهم، وقد كان له هدفان للتغيير الأول تغيير الواقع إلي ما هو أفضل وعدم الاستسلام له، وتغيير مقاصد الشريعة، وقال الناقد الأدبي إبراهيم فتحي: أنا آت من منهج مختلف تماما عن منهج أبوزيد، إن كلام الله عند نصر يخاطب بشرا محكومين بتغير الزمان والمكان، وفي منهجه حوار بين ما نزل به الوحي وبين العالم المتغير، وقد قدم نصر قراءة عميقة للقرآن، ودعا لإعادة النظر في الآيات التي تتحدث عن الرق وما ملكت يمين الناس والجهاد، وهو منهج تاريخي عقلاني في التأويل لا يحيد عن مبادئ الإسلام ولكنه يوظفها توظيفا مفيدا. وتساءل الفيلسوف اللبناني علي حرب: ما هو جدوي ما أنجزه نصر حامد أبوزيد إذا كان المناضل قد فشل وهو ما ينطبق علي معظم الحداثيين، فإن الباحث والناقد لم يفشل، هو لم يكن يعمل لخدمة الدين الإسلامي ولكنه كان ينقده بما يخدم المجتمعات العربية الآن، كتبت عنه مقالات نقدية انتقادية قبل أن اتعرف عليه في غرناطة عام 1998، هو أشبه بقلب طفل كان مؤمنا أكثر من حماة الإيمان أنفسهم، والآن تتراجع مقالات الحداثة وتشهد الدول العربية حروبا داخلية وهو ما يجعل مطالبتنا بحرية التفكير هامشية ومضحكة، بينما هو أراد اختراق الممنوع من قبل السلطات لكشف ما تم طمثه أو التلاعب به، وحاول أن يخترق منطقة الممتنعات التي تتأتي من داخل العقل المحدود، وما أخشي قوله هو أن الحداثيين العرب لا يمارسون ما يعلنون من شعارات ومقولات الحداثة من حرية وعدالة واستنارة. وأضاف: بدأ نصر الذي رفض نطق الشهادتين في المحكمة، أولي محاضراته في جامعة "لايدن" بالبسملة. ولم يتحدث الناقد الدكتور جابر عصفور عن نصر حامد أبوزيد، بشكل مباشر، بل قام بتذكير الحضور بواقعة تاريخية حينما حوكم الشيخ علي عبد الرازق وسحبت منه شهادة العالمية عام 1925، بسبب كتابه "الإسلام وأصول الحكم" بينما لم يحاكم الدكتور طه حسين بسبب كتابه "في الشعر الجاهلي"، والسبب كان في اختلاف نظام الحكم الذي تغير، فأيام عبدالرازق شهدت مصر حكومة ديكتاتورية بينما تشكلت حكومة وطنية تحكم بدستور 23 وقت كتاب طه حسين، وقال عصفور إن الأمر نفسه حدث مع نصر حامد أبو زيد والشيخ عبد الصبور شاهين، ولم يوضح عصفور كيف اختلف نظام الحكم بين الحدثين. ذكريات واسترجع "فريدرم هاوس" الأستاذ بجامعة "لايدن" وزميل نصر، أول لقاء بينهما في خريف عام 1991، حينما وقعت عينه علي حوار أجرته جريدة "الأهرام" مع نصر وأطلقت عليه لقب "المفكر الصغير"، كما استرجع أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة لايدن الدكتور عمرو رياض لقاءاتهم في هولندا قائلا: كنا نطلق عليه شيخ القبيلة المصرية في لايدن، فقد تعود أن يدعونا نحن الدارسين الأزهريين- للإفطار معه في شهر رمضان، وكانت زوجته تعد لنا الأكل بنفسها، حتي أنه اعتذر عن لقاء السفير يوما حينما تعارض لقاؤه مع لقائنا، وأذكر أنه داوم علي وضع برنامج الأذان علي جهازه الكمبيوتر، وكان يقول: الأذان اللي في جامع بلدنا قحافة بيوحشني كتير".