الوصفة باتت معروفة والخلطة أصبحت جاهزة، في الغرب كما في الشرق: سب الآخرين وأقذفهم، ولن تنسي أن تسخر من قدارتهم، وتشكك في ضمائرهم ومعتقداتهم، وحبذا لو تطعن في شرفهم وتشوه تاريخهم، وكلما امتلكت قدرا أكبر من الوقاحة تستطيع الوصول إلي قوائم الكتب الأكثر مبيعاً، والصحف الأعلي توزيعا، والقنوات الفضائية الأكثر مشاهدة، فقد أدرك صناع الميديا اليوم أن إهانة الآخرين بدم بارد، تلقي صدي اجتماعياً غير مسبوق! في نهاية أغسطس 2010 صدر كتاب عنصري في ألمانيا، أثار جدلا واسعا- ولايزال - في أوساط المثقفين، وأحدث انقساما في الرأي العام والإعلام، وسبب حرجا للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وحقق (في الوقت نفسه) أعلي نسبة مبيعات في الخمس سنوات الأخيرة، ونفدت طبعته الأولي خلال يومين فقط. حمل الكتاب عنوانا لافتا: "ألمانيا تدمر نفسها"، تأليف (تيلو ساراستين) المسئول بالبنك المركزي الألماني والعضو البارز في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي أكد في المقابلات الصحفية والتليفزيونية، قبيل صدور الكتاب وبعده، علي فكرتين أساسيتين، الأولي: "أن المسلمين في أوروبا (العرب والأتراك) أقلّ الجاليات ذكاءً، وهم غير راغبين أو قادرين علي الاندماج في المجتمع الألماني"، ولذا فإن ألمانيا تسير علي طريق تدمير نفسها من الناحية النوعية، وهو مايؤدي إلي انخفاض مستوي الذكاء في البلاد. الفكرة الثانية، في هذا الكتاب الشاذ: "أن اليهود يحملون جيناً معيناً يساعد علي معرفتهم ومن الممكن جداً تمييزهم، تماماً كمتمردي إقليم الباسك الأسباني"، وهو ما دفع "ستيفان كرامر" رئيس المجلس المركزي لليهود في ألمانيا، إلي القول: "بإن ساراستين يصطاد في الماء العكر، وهو يحب ان يفعل ذلك دائما. انه يحاول أن يدفع الأقليات للاصطدام ببعضها البعض. لكنني أقول ان اليهود الذين يستخدمون لغة العقل لن ينقادوا الي ذلك". نتائج استطلاعين للرأي العام أشارت إلي أن الألمان منقسمون بشدة حول الكتاب ومؤلفه، نحو 35% أكدوا أنهم يرفضون هذه الأفكار العنصرية، بينما اتفق مع ما ذهب إليه المؤلف حوالي 30% من المستجوبين. الصحف الألمانية بدورها، تضاربت عناوينها، فقد ذكرت صحيفة "دي فيلت" أن هذا الشخص بورجوازي ذكي يتجاوز المسلمات ويسمي الأشياء بمسمياتها، بينما أعتبرته جريدة " فيست ألجامينه تسيوتنج " أنه تجاوز الخطوط الحمراء وعرض نفسه لتهمة العنصرية. اللافت في الأمر هو أن ساراستين ينتمي للحزب الاشتراكي (اليساري) الديمقراطي ، وليس للحزب المسيحي (اليميني) الديمقراطي، مما يشير إلي أن هناك مناخا عاما ووسطا اجتماعيا مهيئا لتقبل هذه الأفكار العنصرية، وحسب استطلاعات "معهد ديماب" للرأي فإن 70% من الألمان تتملكهم نظرة الخوف من الأجانب ، خاصة ما يعرف (بالإسلاموفوبيا) أو الخوف المرضي من الإسلام. الأخطر من ذلك هو تلاعب ساراستين بفكرة تشكل هاجسا مقلقا في الغرب، ونوعا من الرعب في مجتمعات الرفاهية بوجه عام، وهي فكرة "الانهيار" و"الأفول" التي دشنها "أوزفالد شبنجلر" عام 1918 في كتابه الذائع الصيت (أفول الغرب) فيما بين الحربين العالميتين ( 1914 - 1945) والتي مهدت الطريق لهتلر والنازية. الأمر الثاني هو المرجعية (الأخلاقية - الميتافيزيقية) التي يستند إليها، وهي فكرة (الحق والصواب) السياسي التي تؤرقه وتقض مضجعه، علي حد زعمه، وتمنحه القوة ليعلن بشجاعة وجرأة ما يفكر فيه الألمان في السر، ولا يخجل من كشف المستور والمكبوت والمقموع ، طالما أنه في صالح بلده ولو (أهان الآخرين) ودمرهم، وهي نفس الفكرة التي يتبناها قادة اليمين الأوروبي أمثال الهولندي جيرت فيلدرز، والنمساوية ماريا فيكتر والفرنسي جان ماري لوبان، فضلا عن المحافظيين الجدد في الولاياتالمتحدة.