فقدت مصر في السابع من سبتمبر سنة 1981، فنانها العبقري رياض السنباطي، الموسيقار الفذ الذي يقترن اسمه بأجمل أعمال سيدة الغناء العربي أم كلثوم، فقد قدم لها ما يزيد عن ثلاثمائة أغنية، منذ التقيا للمرة الأولي في مونولوج «النوم» سنة 1936 حتي رحيل كوكب الشرق في فبراير 1975. أصوات أخري جميلة تغنت بألحان السنباطي ومنهم ليلي مراد وسعاد محمد ونور الهدي ووردة وعبدالغني السيد ونجاة الصغيرة، لكن العطاء الذي أبدع فيه مع أم كلثوم يمثل العلامة الفارقة في تاريخه وتاريخ الموسيقي العربية فليس مثله من أبدع في تلحين القصائد وليس مثله من عرف طبيعة وخصائص صوت ثومة وكيفية الغوص في أعماقه، وليس مثله في القدرة علي ترجمة الكلمات إلي جمل موسيقية خالدة، تحلق القلوب معها وبها إلي سموات السعادة، وتنتعش الأرواح بالبهجة واللذة. شهدت مدينة فارسكور ميلاد رياض السنباطي في نوفمبر من العام 1906، ورحل العملاق الفريد قبل شهرين من معانقة عامه الخامس والسبعين، ولاشك أنه عاش سنواته الأخيرة محاصرا بالحزن بعد رحيل الصوت القادر علي استيعاب ألحانه، متوجسا من ذلك التغيير الذي يطول كل ما عاش له في عالم الموسيقي، فمع نهاية السبعينيات بدأت بوادر الانفلات والانحراف، ذلك أن الساحة قد ازدحمت بأشباه الملحنين وبأنصاف المواهب في الكتابة الشعرية، وبأصوات نشاذ تستمد وجودها من أسلحة الدعاية والضجيج والأجهزة الحديثة! فاز السنباطي بجائزة الدولة التقديرية، أو فازت به ومنحته أكاديمية الفنون درجة الدكتوراه الفخرية، واحتفت به معظم البلدان العربية، شعبيا ورسميا لكن التكريم الأعظم يتمثل في ذلك الاعجاب غير المسبوق الذي حظي به الفنان الكبير من عشاق الغناء الأصيل الجميل، فهو عندهم خارج المنافسة والمقارنة وهو القمة التي تقترن بقمة أم كلثوم. ما الذي يحدث علي الساحة الغنائية الآن؟! زحام بلا محصول، وإنتاج عشوائي يشبه السرطان الذي لا علاج له، ومن عيوب الثورة التكنولوجية أنها تتيح لكل من هب ودب أن ينتسب إلي دولة الغناء، ويا لها من أرزاق تنبع من طرب مغشوش!