يحكي كتاب "الفوتوغرافيا ومصر" قصة تطور فن التصوير الفوتوغرافي في مصر خلال القرنين التاسع عشر والعشرين وحتي الفترة الراهنة. نقرأ فيه تحليلا دقيقا ورائعا لتاريخ مصر الموثق عبر الصور الفوتوغرافية، والظروف التي أنتجت الفوتوغرافيا في مصر، وكيف رصدت الكاميرا لحظات مهمة في حياة شعب مصر ورؤسائها وأدبائها وناسها العاديين. تتحدث مؤلفة الكتاب ماريا جوليا العاشقة لمصر التي أقامت فترة طويلة في القاهرة وألفت عنها كتابا سابقا بعنوان "القاهرة: مدينة الرومال"، عما اسمته "سلطة التصوير الفوتوغرافي"، حيث تقيم علاقة تحليلية بين تطور فن الفوتوغرافيا في مصر وبين فاعلية وتشكيل واقعها السياسي والاجتماعي والثقافي. راصدة كذلك مراحل ضيق واتساع مساحة الحرية المتعلقة بمهنة التصوير. إلي جانب ذلك، ترصد جوليا عددا من استديوهات التصوير في مصر، وأشهرها فينوس، وأخري كان يمتلك أغلبها الأرمن المصريون. الذين بحسب الكتاب حققوا نهضة غير عادية في فن التصوير الفوتوغرافي. من هذه الاستديوهات تستعرض المؤلفة: "ألبان" (1883-1961)، و"أرماند" (1901-1963) و"فان ليو" (1922-2002)، وكانت إنتاجات مثل هذه الاستديوهات بحسب تعبير جوليا نموذجا للوجه المضيء لمصر وتمازجها الثقافي. في الكتاب نتصفح ونشاهد بورتريهات، وصورًا شخصية، وأخري جماعية، لقطات لأشخاص ولعائلات وأحداث مهمة عاشت ووقعت خلال القرنين الماضيين، حصلت عليها المؤلفة من أرشيفات الاستديوهات أو من مجموعات الورثة. لهذا يمكن وصف الكتاب كذلك بأنه بحث متقن في مراحل نشأة وتطور فن التصوير الفوتوغرافي في مصر، خلال أكثر من 170 سنة. مستحضرة لقطات أسهمت في الدعاية الإعلامية والسياسية لمصر، وبناء صورة ذهنية ووجهة نظر عنها لدي السائح الأجنبي، وكيف كانت هذه البلاد سياحيا وأثريا مصدر إلهام للصحفيين وعلماء الآثار والقائمين علي صناعة السياحة، والأخطر استخدام التصوير كشاهد علي التاريخ وصياغة الحاضر والمستقبل. من بين المعلومات الطريفة والشيقة التي يستعرضها الكتاب إلي جانب الصور، أن مصر شهدت التقاط أول صورة في أفريقيا والعالم العربي في عهد محمد علي باشا الكبير. ثم تخبرنا ماريا شيئا عن مصوري الملكين فؤاد وفاروق وهما: الإنجليزي هانزل مان، الذي كانت بطاقات الاستوديو الخاصة به تحمل اسم "مصور جلالة السلطان"، والمصري رياض شحاتة. تتحدث كذلك عن مثلث الفوتوغرافيا الذهبي الشهير في مصر، وتقصد المنطقة ما بين شارع قصر النيل وميدان الأوبرا، حيث تركز الفنادق وقصور العائلات المهمة والجاليات. الأهم من ذلك تسليط الضوء علي قوة الكاميرا في الكشف والإخفاء في ذات الوقت. تستخدم جوليا التي تعيش بين روما وباريس في كتابها جانبا من الفكاهة والسخرية في نقد وتشريح الأنظمة السياسية التي توالت علي مصر، بالمقارنة بحجم الحرية والرقابة التي فرضتها تلك الأنظمة علي فن التصوير في مصر.