بالأمس كتبت عن إعلان مستفز هو إعلان (الجبنة والمصريين) وتحويل مفهوم الوطنية إلي الأكل.. أما اليوم فأتناول إعلان (استرجل) الذي يحول مفهوم الرجولة إلي الشرب.. أي أنك إذا أكلت جبنا وشربت شراب الشعير صرت وطنيا وأصبحت رجلا!! و(استرجل) أو (كن رجلا) هو مجموعة إعلانات أخري في غاية السخافة والابتذال.. ففي واحد منها يتعلم بعض من يدعونهم رجالا كيف (يسترجلون) في حلقات دراسية استشارية.. تأتي فيها النصيحة الرئيسية (اضرب صاحبك لو هما كتير ياحسام).. و(حسام) الذي يعني اسمه السيف القاطع ينبغي عليه أن يتعلم أن يضرب صاحبه في (الخناقة) وأن يشرب مشروب الإعلان حتي (يسترجل)!! كان الاسترجال زمان ليس منذ زمن بعيد عبارة عن صفات وأخلاق لابد أن يتحلي بها الولد حتي يصير رجلا.. وكان مفهوم الرجولة لا يرتبط بالذكر بقدر ما يرتبط بهذه المجموعة من الصفات التي إذا اقتناها شخص قيل إنه رجل.. حتي كانوا يقولون عن الفتاة التي تتحلي بتلك الأخلاق: بنت بأخلاق رجال، أو بنت بعشرة رجال، أو وراك رجال يا فلان.. ولما صار نشاط الحركات النسائية أكثر انتشارا اعترضن علي قصر تلك الصفات الجميلة علي الرجال لأن الفتيات يتحلين بها أيضا وهي ليست مرتبطة بالنوع بقدر ارتباطها بالنفس الكريمة للإنسان بوجه عام. ضمن تلك الصفات التي تلزم (الاسترجال) أن تكون نصيرا لصاحبك وتقف بجانبه في الشدائد بل تضحي من أجله.. لا أن (تضرب صاحبك).. حتي أن الفنان (عمر الشريف) ينصح الناس في حملة إعلانية أخري قائلا: (صاحب صاحبك.. وافتكر الزمن الجميل).. فالشهامة واحدة من أهم بنود الاسترجال أيام الزمن الجميل.. أما الآن فالندالة تكسب.. اضرب صاحبك وانقذ نفسك واشرب الشعير وستصبح رجلا.. وفي أيام الزمن الجميل كان علي الرجال أن يخفوا مشاعرهم وبالذات تلك التي تنم عن بعض الضعف كالبكاء، والخوف، والتردد.. صحيح أن علم النفس الحديث ضد إخفاء المشاعر، ولكنه بالتأكيد ليس مع ظهورها بتلك الطريقة السخيفة التي ظهر بها الأخ حسام في الإعلان.. فهو يبكي ويتلعثم ويرتعب من الخوف وهو يحكي موقف (الخناقة).. ويحكي كيف (انضرب) هو وصاحبه.. ولكنه بالطبع عندما يشرب شراب الشعير ستزول الغمة وينتهي الموقف كله ويصير هو رجلا رغم كل ما حدث!! ولا تختلف بقية مجموعة إعلانات (استرجل) عن هذا الإعلان سوي في أنها أكثر ابتذالا لدرجة أنني عندما شاهدتها مجتمعة علي (اليوتيوب) قبل أن أكتب هذه الكلمات لأكون علي دراية كاملة بالأمر، ندمت.. إذ أصابتني حالة من الاشمئزاز الشديد، وترحمت علي الرجولة والاسترجال ومعاني كل منهما وتذكرت إحدي الطالبات التي قامت بعمل جروب علي الفيس بوك وأسمته: (عودوا رجالا.. نعود نساء).. ولما سألتها عن هذا العداء الواضح لكل الرجال، قالت: أين هم هؤلاء الرجال في جيلنا؟ كان المفروض أن يقوم أصحاب الإعلان بإنهائه بعبارة (الرجال أهمه).. حتي يصير إعلان شراب الشعير علي شاكلة إعلان أكل الجبن.. ونعرف أن (المصريين أهمه يأكلون الجبن في رغيف فينو)، وأيضا (الرجال أهمه يضربون أصحابهم ويشربون الشعير ليسترجلوا).. ألا ليت زمان المصريين والرجال الحقيقيين يعود.. عندما كان المصريون متحضرين، والرجال مسترجلين..