أخيرا عادت الكهرباء.. سأكتب المقال بسرعة لأرسله حالا عبر الميل قبل أن يبدأ مسئولو الجريدة في الاتصال بي لاستعجالي في إرساله.. إذا اتصلوا وأنا لم أنهه بعد سوف أقول لهم إن الكهرباء كانت مقطوعة ولم أنته من الكتابة بعد.. وهم مضطرون للانتظار لأن هذه هي سياسة ترشيد الاستهلاك.. أليس هذا هو بلدنا الذي ينبغي أن نتواءم مع ظروفه؟ ألا يوجد خطر كبير علي شبكة الكهرباء بسبب زيادة الاستهلاك؟ ألا ينبغي علينا جميعا أن نتعاون ونتحمل هذا الترشيد؟ انظر إلي أعمدة الإنارة علي الطرق السريعة.. ستجد أن هناك مناطق أعمدتها منيرة كلها وكأن الليل فيها قد صار ظهرا.. ومناطق أخري تمتد لعدة كيلومترات فيها ظلمة حالكة ولا يوجد بها عمود نور واحد مضاء!! وعندما تسأل عن السبب يزيد العجب، إذ يقولون لك: إنه ترشيد الاستهلاك.. هل هذا ترشيد أم تشتيت؟ هل الترشيد معناه أن تصطدم السيارات بعضها ببعض وتزداد الحوادث مع عدم وجود أي إنارة في هذه المناطق، بينما تشتعل مناطق أخري بالنور الزائد عن المطلوب؟ ألم يتفتق ذهن أي عبقري من المسئولين بفكرة مفتكسة تؤدي إلي الترشيد دون التسبب في كوارث؟ ألم يكن من الممكن مثلا أن يضاء عمود ويترك ما بعده غير مضاء، وهكذا بالتبادل علي طول الطريق؟ قد يكون المقصود هو الترشيد.. ولكن ما يحدث علي أرض الواقع هو نوع من التشتيت.. تشتيت الكهرباء علي الطريق من ناحية وبين مدن وأحياء مصر من ناحية أخري.. فهم يوجهون الكهرباء لهذا الحي لمدة عدة ساعات وتكون مقطوعة في الآخر.. ثم بالتبادل تعود الكهرباء للحي الذي كانت مقطوعة فيه وتنقطع عن الآخر.. انظر إلي الحي المضاء وستجد أن حوالي ثلث الكهرباء المستخدمة لا داعي لها ولا ضرورة لاستخدامها.. العديد من لمبات إضاءة للزينة والاحتفالات.. مبالغات في استخدام لمبات الفاترينات وواجهات المحال التجارية.. كثير من الإضاءة الصفراء التي من الممكن استبدالها بالموفرة للطاقة.. ثم انظر إلي الحي الذي انقطعت فيه الكهرباء.. مرضي تعتمد أجهزة علاجهم علي الكهرباء فلا يجدونها.. أطفال لا يحتملون شدة الحرارة ولا توجد مروحة كهربائية تعمل لتخفيف الحر عنهم.. أعمال كبيرة وصغيرة وكسب عيش وسعي وراء رزق تعتمد علي وجود الكهرباء متعطلة تماما.. مصاعد للأدوار العليا.. أجهزة كهربائية منزلية.. مياه لا تصعد للأدوار العليا سوي بالكهرباء.. مقالات لا تكتب ولا ترسل لأن الكمبيوتر وال(DSL) لا يعملان دون كهرباء.. باختصار: حياة تكاد تتوقف تماما هنا في هذا الحي، في مقابل استهلاك غير عادي ومبالغ فيه في الحي الآخر.. وبعد عدة ساعات تنقلب الآية بين الحي الأول والثاني.. هل هذا هو ترشيد الاستهلاك؟ ألا توجد سياسات أكثر اعتدالا وأقل سذاجة من قطع الكهرباء بالساعات عن حي أو مدينة أو عدة كيلومترات علي الطريق والتسبب بأضرار جسيمة للمواطنين؟ لا وقت لمراجعة المقال.. سيكون مليئا بالأخطاء.. ولكنه علي الأقل سيلحق ميعاد النشر.. ما هذا التشتيت؟ غدا سأحاول التركيز واقتراح حلول أفضل للترشيد إذا لم تستمر سياسة التشتيت.