هناك فرق كبير بين الخطأ غير المقصود والخطأ المقصود.. في صلاة من صلوات الكنيسة الأرثوذكسية نطلب من الله أن يغفر لنا سيئاتنا (التي صنعناها بإرادتنا والتي صنعناها بغير إرادتنا.. التي فعلناها بمعرفة والتي فعلناها بغير معرفة.. الخفية والظاهرة).. فنشبَّ جميعنا عارفين أن الفرق واضح بين هذه وتلك.. الخطأ الذي نفعله بكامل إرادتنا وبمعرفتنا والآخر الذي لا نقصده وأحيانا لا ندرك حتي أننا بفعلنا له نرتكب إثما.. ومن الخطأ المتعمد أن نساوي بين نوعي الخطأ.. وفي القانون وهذا واضح حتي لغير المتخصصين مثلي تفرق العقوبات بين الخطأ عن عمد والخطأ مع سبق الإصرار والترصد.. ومن المعروف أن عقوبة القتل الخطأ مثلا عقوبة صغيرة وبسيطة مقارنة بالقتل العمد ومع سبق الإصرار والترصد.. بالرغم من أن النتيجة واحدة في الحالتين والضحية تنتهي حياتها مع الخطأ غير المقصود كما هو الحال في الخطأ المقصود.. هذه المقدمة الطويلة التي لابد منها تقودنا إلي توضيح الفرق الكبير بين الاعتذار والتراجع.. فأنت تعتذر عن أخطائك غير المقصودة، ولكن كيف تعتذر عن أخطاء قمت بها عن عمد ومع سبق الإصرار والترصد؟ إذا كنت غير منتبها فوطأت قدمك قدم شخص آخر فإنك تلتفت بسرعة معتذرا بعبارات مثل: (آسف) (لم أقصد)، وغالبا يتقبل الآخر اعتذارك وقليلا ما يطالبك بترضية ما.. أما في حالة أن تلقي قمامتك أمام بيت جارك، أو تنكر الحقائق وتصرح بأكاذيب فبم تجيب عن نفسك وعن أفعالك؟ هل تستطيع حينئذ أن تضع نفسك علي قدم المساواة مع من أخطأ دون قصد؟ وهل من الممكن أن تقول: (أنا آسف)؟ لن يتقبل الطرف الآخر اعتذارا منك دون ذكر الأسباب.. فماذا ستقول؟ لم أكن أقصد أن أقول أكاذيب؟ أو لم أكن أعرف أن القمامة ستؤذيك؟ لا يوجد حل للخطأ المتعمد سوي التراجع.. وللتراجع أصول لا يمكن الخروج عنها وإلا تكون النتيجة هي الزيادة في الخطأ المتعمد.. ويتلخص شكل التراجع السليم في الآتي: تقديم اعتراف كامل بالخطأ المتعمد وتوضيح الحقيقة كاملة وتحمل المسئولية الأدبية عن هذا الخطأ المقصود.. انتظار ردود أفعال ومواقف الطرف الذي تم الخطأ في حقه.. وتحمل أي رد فعل مهما كان قاسيا مع العلم بأن المخطئ الحقيقي هو من بدأ بالخطأ في هذه الحالة بالذات لأنه أخطأ عن علم وقصد.. تحمل توابع الخطأ المتعمد من الناحية القانونية والرأي العام.. أي بمعني أدق يتم عقاب المخطئ عقابا رادعا لا يسمح له هو نفسه بتكرار الخطأ المتعمد، ولا لغيره بأفعال الخطأ المتعمد.. كما نضع في الاعتبار أن الخطأ المتعمد الذي يمر دون عقوبة في أي مجتمع سيشجع الآخرين علي المثل لأن النتيجة ستتوقف علي كلمة (آسف)، وتحمل بعض النقد والكلمات اللاذعة ثم ينتهي الأمر.. التراجع إذا هو اعتراف بالخطأ وليس اعتذارا.. هو تأكيد من المخطئ علي أنه قصد أن يخطئ وأنه بذلك معيب (من ساسه لرأسه).. وهو تحمل لتوابع الخطأ علي الملأ وتعهد بعدم تكراره.. والذي لا يخطئ لا يضطر إلي الاعتذار ولا التراجع.