قرأت في الفترة الأخيرة تصريحات د. محمود حمدي زقزوق (وزير الأوقاف) لجريدة "الأسبوع"، والتي قال فيها: إننا نتعامل مع قضية القدس تعاملاً سطحياً.. حتي اعتبرناها قضية فلسطينية، وعلي أكثر تقدير عربية.. لأنها قضية تهم مليارا ونصف المليار مسلم. وذكر أن الدافع لدعوته لزيارة القدس هو أن هناك مخططاً إسرائيلياً يسير بسرعة صارخة لتهويد القدس وتفريغها من المقدسيين وتخريب المسجد الأقصي. وفي تقديري أنه من المهم أن نميز بين الدعوة لزيارة القدس وبين الدعوة إلي زيارة رام اللهوغزة.. فالدعوتان علي النقيض من بعضهما البعض.. فالأولي تعني دعم الاقتصاد الإسرائيلي مباشرة بما فيه صناعته الحربية وعملياته العسكرية الموجهة ضد الشعب الفلسطيني بداية من الحصول علي تأشيرة إسرائيلية، ومروراً باستخدام الخدمات الإسرائيلية المتعددة أثناء الزيارة، وصولاً إلي شراء المنتجات الإسرائيلية، وهو ما ينتهي في نهاية المطاف في شكل ضرائب تدعم الحكومة الإسرائيلية. أما زيارة رام الله أو غزة فهي تعني دعم الاقتصاد الوطني الفلسطيني علي اعتبار أنها مناطق سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية بغض النظر عن كونها من خلال منظمة فتح كسلطة شرعية رسمية أو من خلال حركة حماس كسلطة موازية وغير شرعية. أختلف مع طرح د. حمدي زقزوق في أن القدس قضية تهم المسلمين وحدهم؛ بل أعتقد في أهمية التأكيد علي التناول الإعلامي والسياسي لقضية القدس علي اعتبار أنها قضية وطنية وإنسانية بالدرجة الأولي، وليست قضية دينية إسلامية.. لأن اختزالها علي اعتبار أنها قضية دينية إسلامية يتسبب في وجود فجوة ضخمة مع دعم المسيحيين العرب ومساندتهم لها.. خاصة أن المقدسات المسيحية في القدس تزيد علي المقدسات الإسلامية، كما أن المسجد الأقصي هو ثاني القبلتين، وليس أولها. إن التعامل مع القدس علي اعتبار أنها قضية وطنية فلسطينية لها بعد إنساني وحضاري عالمي.. من شأنه أن يزيد من الدعم والتضامن معها من جميع المواطنين في المنطقة العربية وغيرها من المسيحيين والمسلمين علي السواء.. وللمسيحيين خاصة لما تمثله من قيمة دينية لهم لأنها المدينة التي شهدت حياة السيد المسيح. ومن المفيد أن نذكر هنا أن المسيحيين العرب كانوا هم أول المحتجين والمعارضين علي أفعال وتصرفات البطريرك غير العربي الوحيد في القدس وهو البطريرك اليوناني السابق ايرينيوس الذي قام ببيع مساحات واسعة من أوقاف الكنيسة الأرثوذكسية إلي إسرائيل مما أدي إلي عزله في عام 2007. وهو ما جعل هناك مطالبات بتعيين بطريرك عربي علي رأس الكنيسة اليونانية في القدس حتي يحافظ علي أراضي الكنيسة الأرثوذكسية هناك، ولا يفرط فيها. إن زيارة القدس لن تكون ورقة ضغط كما صرح د. زقزوق؛ بل ستكون أداة دعم لإسرائيل كما ذكرت. وأعتقد أن تصريحات د. زقزوق بأن دعوته لزيارة القدس هي دعوة بصفته مواطناً مسلماً، ولا تعبر عن توجه حكومي ولا تعبر عنه بصفته وزيراً للأوقاف.. هو موقف مثير للجدل لأنه لا يمكن أن نفصل بينهم في حقيقة الأمر.. لأنها قضية سياسية بالدرجة الأولي، كما أن وزير الأوقاف.. هو وزير سياسي.