في الحادي والعشرين من يوليو 2007، أي مثل اليوم من ثلاث سنوات، كنت في المستشفي، أشارك صديق عمري الباحث الاجتماعي محمد حاكم لحظاته الأخيرة قبل أن يفارق أصدقاءه الكثيرين الذين أحبوه، والتفوا حوله. طلب مني الطبيب الدخول إليه في غرفة الرعاية المركزة، لأكون إلي جواره، مع شقيقته وابنتها، حيث أسلم الروح بين يدينا، في لحظة فارقة في تاريخه وتاريخي، منهية بذلك 27 عاما لم نفترق فيها علي الإطلاق، حتي ولو باعدت بنا الأيام كنا نلتقي، وكأننا كنا معا بالأمس فقط. حملناه من المستشفي في المهندسين، وعدنا به إلي مسقط رأسه كفر سعد البلد في دمياط، حيث واريناه الثري قرب صلاة العشاء، وحين بدأت مراسم الدفن لمع شهاب في السماء ثم انطفأ سريعا، بعض الذين تتغلب لديهم المسائل الروحية، قالوا إن هذا الشهاب الذي لمع وانطفأ، هو صعود جميل لروح طيبة، لكني رأيت أن هذا الشهاب هو تلخيص لحياة محمد حاكم القصيرة والسريعة جدا، فهو ولد ولمع وانطفأ مثل الشهاب، الذي لمع وانطفأ في السماء ونحن نشيع حاكم إلي دار البقاء. بكيت محمد حاكم، في الوقت الذي شاهدت فيه دموع السيد ياسين وجابر عصفور وغيرهما علي حاكم، الذي كما كان من أبرع الباحثين في السسيولوجيا السياسية، وله كتاب من أهم الكتب التي درست المرحلة الاجتماعية لعصر محمد علي، ودراسة لم تنته عن الحركات الأصولية كان يفترض ان يشاركه فيها صديقنا الدكتور عماد أبو غازي.، لكن الموت لم يسمح له بإكمالها. عرفت حاكم في اليوم الأول للدراسة بجامعة القاهرة عام 1980، شخص شديد الثقافة، يحب العلم، خاصة العلوم الاجتماعية، وأتذكر جيدا أن مناقشته العلمية في كلية الآداب جامعة القاهرة لنيل درجة الماجستير، شهدت حشدًا غير مسبوق في مثل هذه المناقشات العلمية، قد لا يتكرر بعد ذلك. ورغم أهمية الرسالة العلمية، لكن الآلاف الذين جاءوا دفعهم حب محمد حاكم، أكثر من أهمية أطروحته في الماجستير، وهو ما يعكس مدي قدرته علي حب الناس، كل الناس، وبالتالي لم يكن بيته يخلو منهم.. من جاءوا للحديث في العلوم والفنون والآداب وكأن بيته قد تحول إلي صالون يومي لعصف الأفكار.. لكنه كان في نفس الوقت يفتح بيته لكل من يعرفهم أو لايعرفهم، يفضفضون، ويتحدثون ويبكون ويخرجون كل الشحنات السلبية من داخلهم. هذا هو صديقي محمد حاكم الذي تمر اليوم علي ذكراه ثلاث سنوات، أفتقده كثيرا، وأحن إلي مجلسه، ورجاحة عقله، وطيبته الحقيقية غير المصطنعة، وحين تضيق بي الدنيا كما كانت دائمًا أذهب إلي العمارة التي كان يعيش بها في شارع رمسيس أبحث عنه، ولا أجده، فتنسال دموعي علي صديق لم يعد مثله في الحياة.