قبل استقبال الرئيس باراك اوباما لرئيس الوزراء الاسرائيلي بيبي نتانياهو في البيت الابيض، راح الجانب الأمريكي يتحدث عن تقدم في المفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين وعن امل في العودة الي المفاوضات المباشرة بين الجانبين قريبا. المؤكد ان هناك تقدما بين الأمريكيين والفلسطينيين في شأن تحديد مرجعية المفاوضات ومسائل مرتبطة بالامن. ما هو مؤكد ايضا أنه لا تقدم بين الفلسطينيين والاسرائيليين. الدليل علي ذلك انه في كل لقاء بين رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية (ابو مازن) والمبعوث الأمريكي جورج ميتشل، يسال "ابو مازن" ميتشل : هل هناك شيء محدد مطلوب مني، فيأتيه جواب المبعوث الرئاسي بالنفي. يبدو ميتشل، المغلوب علي امره الي حد كبير، متفهما لما يدور تماما علي الارض وان المشكلة في مكان آخر. انها في الاصرار الاسرائيلي علي ممارسة الاحتلال. ليس ما يشير، في ضوء السياسة التي تتبعها حكومة بيبي نتانياهو، خصوصا في القدس ومحيطها، الي وجود ما يبرر المفاوضات المباشرة او الكلام عن انفراج بين الفلسطينيين والاسرائيليين. وهذا ما عبّر عنه صراحة رئيس السلطة الوطنية ورئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور سلام فياض اللذان اكدا اخيرا انه لم يحدث اي تقدم في هذا المجال، ثمة معلومات مؤكدة تشير الي ان بيبي يرفض الرد علي اي اقتراح خطي فلسطيني يحمله اليه ميتشل ويكتفي بالقول انه علي استعداد للبحث في الاقتراح لدي بدء المفاوضات المباشرة مع "ابو مازن". عمليا، يرفض الجانب الاسرائيلي التزام اي موقف واضح باستثناء موقف السعي الي تكريس الاحتلال. هل من فلسطيني يقبل التفاوض من اجل استمرار الاحتلال والموافقة عليه، بل مباركته؟ بغض النظر عن مواقف ميتشل، يبدو ان ادارة باراك اوباما تسعي حاليا الي تحقيق انجاز ما، في مكان ما، في ضوء سلسلة النكسات التي تعرضت لها اخيرا بدءا بالعجز عن معالجة مشكلة البقعة النفطية في خليج المكسيك وانتهاء بما يدور في افغانستان مرورا بغياب استراتيجية واضحة في شأن التعاطي مع الملف النووي الايراني. ليس طبيعيا ان يكون هذا الانجاز الأمريكي المطلوب تحقيقه علي حساب الجانب الفلسطيني في وقت يبدو معروفا ما المطلوب من اسرائيل من اجل قبول الفلسطينيين العودة الي المفاوضات المباشرة. ثمة فارق بين ما تسعي اليه الادارة الأمريكية وبين ما يريده الجانب الفلسطيني. تسعي الادارة الي الظهور في مظهر يوحي بانها ليست عاجزة. وعندما يلمح البيت الابيض الي ضرورة دخول الجانب الفلسطيني المفاوضات المباشرة، فهو يخدم عمليا نتانياهو الذي يقول كلاما جميلا للرئيس اوباما في كل مرّة يلتقيه ثم يفعل العكس علي ارض الواقع مدركا ان الادارة الأمريكية الحالية ضعيفة وان الوقت لا يعمل لمصلحتها وان افغانستان ستكون فيتنام اخري للجيش الأمريكي وان العراق مقبل علي تطورات في غاية الخطورة، خصوصا في حال الاصرار علي سحب الجيش الأمريكي في المواعيد المحددة لذلك تنفيذا للوعود الانتخابية لباراك اوباما. لا يستطيع الجانب الفلسطيني تجاهل اهمية العلاقة مع الادارة الأمريكية وضرورة المحافظة عليها وتطويرها، لكنه لا يستطيع في الوقت ذاته تقديم مزيد من التنازلات الي اسرائيل من اجل ان يقول اوباما انه حقق انجازا ما وان ادارته ليست مترددة الي الحد الذي يتصوره الأمريكيون. اظهرت نتائج الاستطلاعات الاخيرة للراي العام الأمريكي ان شعبية الرئيس تتدهور في استمرار وان الثقة به تتراجع بعدما تبين ان تلك الآمال الكبيرة التي علّقت عليه لم تكن في محلها وانه آن اوان اتخاذ قرارات حاسمة تثبت ان الولاياتالمتحدة لا تزال القوة العظمي الوحيدة في العالم. يفترض في الجانب الأمريكي تشجيع الجانب الفلسطيني علي عدم تقديم تنازلات، خصوصا في شأن الاستيطان ومرجعية عملية السلام سواء كان ذلك في مفاوضات مباشرة او غير مباشرة بين الجانبين. بدل ممارسة الضغوط غير المباشرة علي الفلسطينيين، من البديهي ان تؤكد الادارة الأمريكية ما التزمت به سابقاتها وما كرره اوباما نفسه غير مرة عن انه يدعم خيار الدولتين. في النهاية، ليس معقولا ألا تجد الادارة الأمريكية مكانا آخر غير فلسطين تثبت فيه انها قادرة علي الضغط في اتجاه طرف ضعيف. علي العكس من ذلك، بدل الضغط علي الطرف الذي يعاني من الاحتلال والذي ينادي بما تنادي به والذي تدرك ان ليس لديه ما يقدمه الي نتانياهو، من المهم في حال كانت تريد استعادة صورة أمريكا القوية، ان تثبت بالملموس انها صاحبة الكلمة الاولي والاخيرة في الشرق الاوسط، بكلام اوضح، عليها ان تؤكد ان سياستها في المنطقة لا ترسمها لها اسرائيل. مرة اخري، لا يستطيع الجانب الفلسطيني تجاهل اهمية العلاقة مع واشنطن، كذلك، لا يستطيع ان ينسي ان اسرائيل ركزت في كل وقت علي نسف العلاقة الأمريكية- الفلسطينية. لكن الفلسطينيين غير قادرين في اي لحظة علي تجاهل ان هناك اسسا لبناء الدولة الفلسطينية المستقلة. في مقدم هذه الاسس التفاوض استنادا الي مرجعية محددة هي خطوط العام 1967. ان الدعوة الي العودة الي المفاوضات المباشرة من دون مرجعية واضحة للعملية هي بمثابة دعوة الي الفلسطينيين من اجل ممارسة لعبة التفاوض من اجل التفاوض التي لا يعرف بيبي غيرها. هل هذا ما تريده الادارة الأمريكية التي ستكشف عندئذ انها اضعف مما يتصور العالم وانها في حال تخبط ولم تجد من تمارس عليه ضغوطها، وان بطريقة غير مباشرة، سوي الجانب الفلسطيني؟ اقلّ ما يمكن قوله في هذه المرحلة ان ادارة اوباما امام امتحان يتجاوز القضية المتعلقة بالمفاوضات الفلسطينية- الاسرائيلية. ما علي المحك اهم من ذلك بكثير. هل لا يزال في الامكان التعاطي مع ادارة قادرة علي اتخاذ مبادرات ام ان الامر اسقط بيد اوباما وان من يراهن علي انه رئيس لولاية واحدة علي حق... ولذلك، يبدو رهان بيبي نتانياهو في محله!