يدور حالياً حديث عن توجه كبار المسئولين عن التعليم لاختزال دور كليات التربية، ويتمثل في الاكتفاء بنظام «الإعداد التكاملي» لإعداد معلمي التعليم الأساسي، ورياض الأطفال، وذوي الاحتياجات الخاصة. وهذا النظام يقضي - كما هو معروف - بإعداد من يلتحقون بكليات التربية من حملة الثانوية العامة لمدة أربع سنوات داخل هذه الكليات، لإعدادهم كمعلمين للمراحل المشار إليها. أما بالنسبة لإعداد معلم التعليم الثانوي - بمختلف تخصصاته - فيتم - كما يري ولاة أمور تعليمنا - من خلال «النظام التتابعي» وهو النظام الذي يعتمد في الأساس علي خريجي الكليات العملية والنظرية، الذين يرغبون في العمل في مهنة التدريس حيث تقوم كليات التربية بإعدادهم لمدة عام أو عامين لتأهيلهم كمعلمين بالمرحلة الثانوية. ومن الجدير بالذكر هنا أن «النظام التتابعي» هو النظام الذي كان معمولاًَ به في الماضي، عندما كانت هناك كلية المعلمين بجامعة عين شمس، ولكن تغير هذا الوضع بعد تحويلها إلي كلية تربية، وبعد انتشار كليات التربية في كل الجامعات المصرية ابتداء من سبعينيات القرن الماضي، ولم يعد هناك ما يسمي بكليات للمعلمين، وإنما فقط كليات التربية، التي أخذت بالنظام التكاملي أي إعداد خريجي الكليات العملية والنظرية لمدة أربع سنوات في كليات التربية للعمل معلمين في مختلف مراحل ما قبل التعليم الجامعي. وهذا النظام هو الأساس الذي قامت عليه كليات التربية في مصر، ولكن لم يمنع هذا من استمرارية الأخذ بالنظام التتابعي لمن يرغب من خريجي الكليات العملية والنظرية للعمل في مهنة التدريس، وذلك لسد العجز في المعلمين. وهذا هو المعمول به في جميع مؤسسات إعداد المعلم، في العالم المتقدم منه والنامي. لكن أن يتم اقتصار الإعداد وفق النظام التكاملي علي معلمي مراحل ما قبل الثانوي - كما يري ولاة أمور تعليمنا - تحت شعار تطوير كليات التربية، فهو يخالف ما عليه الوضع عالمياً، إلي جانب أنه يتجاهل بعض الأمور ذات الأهمية في هذا المجال، منها: 1- أن الاعتماد علي خريجي الجامعات للعمل معلمين، أمر محفوف بالمخاطر، حيث تقوم وبالدرجة الأولي علي «رغبة» هؤلاء الخريجين في العمل بمهنة التدريس. ومن غير العلمي الاعتماد علي «الرغبة» في التخطيط وتحديد الأعداد المطلوبة من المعلمين. فما العمل لو أن من يرغبون في العمل بمهنة التدريس من خريجي الجامعات كانوا أقل من العدد المطلوب؟ صحيح أن العمل من خلال «الرغبة» يمكن أن يكون مقبولاً ومضموناً لو استمر ما كان معمولاً به من قبل وهو تكليف خريجي كليات التربية للعمل بمهنة التدريس، أما وقد تم إلغاء نظام التكليف، فإن الأعداد الراغبة للعمل في مهنة التدريس ستكون قليلة، ومن يلتحق أو يرغب منهم في الإعداد لهذه المهنة لن يكون ناتجاً عن رغبة حقيقية، وإنما للهروب من شبح البطالة، وبالتالي نتوقع وجود نوعيات لا تصلح أساساً للعمل بمهنة التدريس. 2- أن العمل وفق «النظام التتابعي» أي الاقتصار علي إعداد خريجي الجامعات لمدة عام أو عامين، إنما هو ضرورة فقط لسد العجز، ولا يصلح أن يكون الأساس في إعداد المعلمين لسبب بسيط لا يدرك مغزاه إلا أهل الاختصاص في علم التربية، وهو أن لمهنة التدريس أصولها وفنياتها ونظرياتها ومعارفها ومهاراتها وكفاياتها، التي لا يمكن اكتسابها إلا من خلال الدراسة النظرية المتعمقة، والتدريب الميداني لمدة كافية قبل ممارسة المهنة، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال النظام التكاملي، والبرامج التي تتصف بالتكامل للعمل في المهنة، شأنها في ذلك شأن المهن المحترمة، وتكفل تخريج معلم قادر علي القيام بالعديد من المهام والأدوار، الآخذة في التعقد بحكم التغيرات والتطورات الحادثة، وبحكم التغير في اتجاهات وسلوكيات وعقليات المتعلمين، التي تختلف كثيراً عما كان عليه الوضع في الماضي. باختصار لا يمكن الاكتفاء بسنة أو سنتين لإعداد المعلم، بالضبط كما يحدث في بقية التخصصات الأخري، فلا يعقل الاكتفاء بسنة أو سنتين لتخريج مهندس أو طبيب. فلماذا مهنة التدريس وهي لا تقل أهمية واحتراماً عن غيرها من المهن، إن لم تزد عليها بحكم المهمة التي تقوم بها وهي إعداد المخزون البشري للأمة من المتعلمين؟ وباختصار الاختصار: إنه لهذه التوجهات لا يمكن تطوير كليات التربية، والارتقاء بمستوي المعلم، وعلينا البحث عن الآليات الحقيقية للتطوير بدلاً من هذا الاختزال المدمر لكليات التربية ولدورها، ولمهنة التدريس، أجل وأقدس المهن والله من وراء القصد.