بالطبع من حق ذوي الاحتياجات الخاصة أن يعبروا عن ضيقهم لأن ليس هناك شخص منهم في مجلسي الشعب والشوري، ولا أظن كذلك أنه يوجد بالمجالس المحلية. منذ أيام استنكرت منظمة "شموع" لحقوق الإنسان خلو قائمة المعينين في مجلس الشوري من أحد ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو أمر ليس بجديد. فلم يكن أي منهم ممثلا في البرلمان، ثم جاء القرار الأخير وغض الطرف عنهم. إذن ما يجري المطالبة به هو أمر جديد، ويستحق النظر. لسنا في حاجة إلي التأكيد علي أن احترام حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة يعد إحدي علامات التحضر في أي مجتمع. في الدول المتقدمة للمعاق، خاصة أصحاب الإعاقة الجسدية، من التسهيلات ما يجعله يتنقل من مكان لآخر في يسر، من وسيلة المواصلات العامة، والأرصفة، وأبواب المحال.. الخ. هذه التسهيلات تجعل حياة المعاقين أكثر يسرا، وأقل معاناة، وتشعرهم بأن المجتمع يحترمهم، ويحترم الظروف الخاصة التي يعيشون فيها. أما في المجتمع المصري، فإن من يخطط يضع في اعتباره كم الأفواه الجائعة، وحشود المواطنين الباحثة عن المواصلات العامة، ورصف طرق تعاني من تموجات وانحناءات، وبالتالي إزاء سيطرة عقلية "سد احتياجات الكم"، التفكير في احتياجات فئة اجتماعية خاصة يعد- بالنسبة لكثيرين- مجرد حديث في "رفاهية الكيف" في غير موضعه. وفي المجالس التي تتولي التشريع والرقابة، هناك معايير يجب توافرها في الشخص منها القدرة علي أداء المهام المطلوبة منه، من متابعة، وبحث، ومشاركة في النقاش، وأعتقد أن ذوي الاحتياجات الخاصة يستطيعون القيام بمثل هذه الأعمال. هم بالفعل يقومون بأعمال لا تقل عنها أهمية، ولا أحد يستطيع أن ينفي فعاليتهم، ونشاطهم الدءوب، وهم بالمناسبة أعضاء في البرلمان في العديد من الدول منذ ما يقرب قرن من الزمن. في بريطانيا، انتخب "جان كوهين" عام 1918م عضوا في مجلس العموم، رغم أنه كان قد فقد كلتا قدميه في معركة حربية، وانتخب "آيان فريسر" في عدة دورات برلمانية بدءا من عام 1924م رغم أنه كان قد فقد بصره في معركة حربية أيضا. وانتخب "جاك أشلي" منذ عام 1966 وظل عضوا بمجلس العموم عام 1992، رغم أنه فقد قدرته علي السمع كلية عام 1967. وهناك عضو آخر هو "دافيد بلانكت" الذي يحتل مقعده في مجلس العموم منذ منتصف الثمانينيات رغم كونه أعمي، تزامله عضوة آخري هي "آن بج" التي تمارس عملها من علي كرسي متحرك. في المجتمع المصري لا يستطيع ذوي الاحتياجات الخاصة المنافسة الانتخابية، فلا هم قادرون علي المناطحة علي مستوي الشارع، ولا أظن أن ثقافة احترام ذوي الإعاقة لها جذور ثقافية عميقة. هؤلاء قد لا يجدون من ينتخبهم، بل أكثر من ذلك سيجدون من يهينهم. المسألة ثقافية في المقام الأول. وهناك فئات أخري بسبب اختلافها النوعي أو الديني يواجهون مواقف مماثلة في الانتخابات ليس لسبب إلا لأن المجتمع لم يصل إلي درجة من النضج تجعله يحكم علي مؤهلات الشخص قبل أن ينظر بعين النقد وربما الازدراء إلي هويته. الحل إذن في قيام رئيس الجمهورية بتعيين شخص أو أكثر من ذوي الاحتياجات الخاصة في البرلمان، ليس لأنه ممثل لهم، فهم ليسوا مجتمعا منفصلا بذاته يبحث عن ممثل له، ولكن تعبيرا من الدولة عن تقدير خاص لكفاءة وفعالية ذوي الاحتياجات الخاصة. قضية تستحق النظر والتفكير، وأتمني أن أجد في الأسماء التي سوف يقوم الرئيس مبارك بتعيينها في مجلس الشعب شخصا من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو مطلب أظن أن هناك قبولا به من حيث المبدأ، وهو ما ظهر في أصوات كثيرة، مثل السيدة مشيرة خطاب، وزيرة الأسرة والسكان، التي سبق أن طالبت بالأمر نفسه.