عن عمر يناهز 75 عاما، رحل في هدوء الشاعر الكبير محمد عفيفي مطر، أحد أشهر شعراء الستينيات، بعد صراع مع مرض الفشل الكبدي، قضي آخر أيامه بغرفة العناية المركزة بمستشفي منوف العام، إثر إصابته بغيبوبة كبدية، نتيجة تليف الكبد بنسبة بلغت أكثر من 70%، ونصح الأطباء بعدم نقله إلي أي مستشفي بالقاهرة، نظراً لخطورة حالته الصحية، ثم وافته المنية في منزله بناء علي وصيته بعدم إجراء جراحات أو وضعه علي أجهزة. تسبب نبأ رحيله في صدمة وحزن شديد في الوسط الثقافي، وتحدث عنه أصدقاؤه بكل معاني الحب والامتنان والأسف علي فقده قائلين: د. محمد عبد المطلب: سكن منزلاً شعريا مكوًّنًا من طبقات عدة أعتقد أن محمد عفيفي مطر من أهم الشعراء العرب، الذين قدموا إنجازا فريدا لم يشاركه فيه أحد، كان صاحب مشروع شعري ممتزج بثقافته الريفية وطبيعته القومية الوطنية وطبيعته الاجتماعية الاقتصادية، واستطاع أن يقدم إنجازا في دواوينه أكسبه لمحة أستطيع أن أقول أنها عالمية لا عربية ولا مصرية. عبر مطر عن آلام الإنسان في كل زمان ومكان، وعاني بسبب مواقفه الشجاعة ضد الظلم والاضطهاد كثيرا، ولكنه لم يستسلم. سكن مطر منزلا شعريا مكونا من طبقات متعددة: الطبقة الأولي هي القرية التي عشقها ومات فيها، والثانية هي المجتمع المصري وما يعانيه سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، والطبقة الثالثة هي البعد العرفاني الصوفي الذي أوصله إلي إدراك حقيقة الوجود، أما الطبقة الأخيرة فهي الإنسان الذي أطل علي العالم كله وأدركه وربطه بالمطلق السماوي من خلال لغة مشبعة بموروثها العربي والصوفي والفلسفي، عاش مطر عالم الاغتراب الحقيقي، أقول إن ما لاقاه من ظلم من بعض أعلام الثقافة المصرية ربما كان سببًا في تعجيل موته. سعيد الكفراوي: كانت تجربته موازية لتجربة المصريين عفيفي مطر واحد من ضمائر الأمة الحقيقيين، هوالشاعر الكبير الذي عاش حياة من الكرامة والكبرياء، وظل طوال عمره في صف الفقراء، كما كان اختياره لصف الشعر بديلاً عن كل المناصب والسلطة، وبسبب هذا دفع الكثير من السجن والاعتقال. كان بمثابة شاعر الأمة، وشاعر القرية المصرية، لأنه خير من عبّر عن هذا العالَم بالشعر والمعني. هو من أصحاب التجربة التي سوف تبقي علي مدي طويل من العمر لأنه كان شاعرًا استثنائيا، فالشعبوية كانت خارج اهتماماته لأنه كان يهتم بأن يكون الشعر شعرًا. رحمه الله، فقد كانت تجربته موازية لتجربة المصريين. د. عبد الناصر حسن: غموض شعره أحد أسرار الإبداع من أكبر شعراء مصر، فلم تفقده مصر وحدها، وإنما الثقافة العربية كلها، اقتنص اللحظة ليحولها إلي موقف فلسفي عام، لم يكُن يعنيه الوقتي والضيق والعابر، وإنما القضايا الكلية الكبري التي تتضمن هذا الوقتي والعابر، وقصيدته الكلية جمعت كل ذلك، إلي جانب أنها جمعت بين الموت والحياة، والعادي واللا عادي، والنهائي واللا نهائي، فقدم فلسفة شاعر تعكس موقفه من الحياة والقدر، والدنيا كلها، متخذا لغة خاصة فنية مركبة تتناسب مع قدرته علي الإبداع. كان عفيفي مطر يحلق عاليا بأجنحة لا يجوز أن تحلق قريبًا من الأرض، لأنه كان يعبّر عن الكون بكل ما فيه. رآه البعض شاعرًا غامضًا، لكني بعدما تخرجت قرأت شعره مرة أخري، ونشرت دراسة بعنوان "شعر عفيف مطر بين إيجابية الغموض وسلبية الإبهام"، وكنت فيها أنحي علي مَن يتهمونه بالغموض باللائمة، لأن هناك فرقًا كبيرًا بين الغموض والإبهام، وأعددت دراسة أخري عنه ستصدر قريبًا بعنوان "أقنعة عفيفي مطر: المثقف والسلطة" نجاة علي: تواصل مع أجيالنا رغم اختلاف التجربة صاحب تجربة شعرية كبيرة لا يمكن إغفالها، كان صاحب بصمة فنية متميزة وخصوصية شعرية، سواء اتفقنا أو اختلفنا مع شعره، فلا يمكن إغفال تفرده سواء في مصر أو الوطن العربي، كان يهتم بكتاباته وإبداعه دون الاهتمام بالظهور الإعلامي، وهو ما نحتاج إليه ونفتقده للأسف في الكثيرين. وعلي المستوي الإنساني كان شخصا جميلا، يحرص علي الاتصال بي ليهنئني علي قصيدة جديدة، أو يقدم لي نصيحة أو يلفت نظري لملحوظة في أحد اعمالي بلطف وبشكل راقي، كان حرصا رغم اختلاف جيله وتجربته عن جيلنا وتجربتنا علي التواصل معنا، يعاملنا بأبوة ويحتفي بتجاربنا الشعرية. وأكملت: أنا حزينة جدا لرحيله، لم أكن أتخيل أن لقائي الأخير به، الذي كان منذ فترة، سيكون آخر مرة أراه فيها، وأشعر بالأسف لتقصيري في السؤال عنه في الفترة الأخيرة، الموت يخطف المبدعين، محمود السعدني ثم فاروق عبد القادر وها هو مطر يلحق بهما، لقد فقدنا رمزا وأستاذا.