هل ينتصر المنطق ويعلو علي كل ما عداه لدي البحث الجدّي في العلاقات السورية - اللبنانية ومستقبلها؟ متي كانت هناك عودة إلي المنطق، لا تعود حاجة إلي زيارات متبادلة بين وفود وزارية وموظفين كبار ولا أن يذهب الرئيس ميشال سليمان أو الرئيس سعد الدين رفيق الحريري إلي دمشق للبحث في طبيعة العلاقات بين البلدين الجارين. متي يعلو المنطق علي الاوهام، تتحول الزيارات التي تعتبر مهمة في المرحلة الراهنة إلي ما يمكن وصفه بزيارات روتينية تفرضها علاقة حسن الجوار بين أي بلدين لديهما حدود ومصالح مشتركة. الأهم من ذلك، دون أدني شك، أن تقوم العلاقات علي أسس سليمة مرتبطة بمنطق التعاطي بين الدول بعيدا عن النظرة الفوقية إلي لبنان بحجة ان تركيبته "هشة" وفي حاجة دائمة إلي وصي! تنمّ النظرة الفوقية إلي لبنان، عن قصور وعن عدم امتلاك ما يكفي من الشجاعة للعودة عن الخطأ والقيام بعملية نقد للذات بعيدا عن أي نوع من العقد. انها شجاعة النظر إلي المستقبل بجرأة بدل البقاء في أسر الماضي واعتبار الهزائم انتصارات بدل الاستفادة منها تفاديا للسقوط في التجارب المرة مجددا. منذ متي كان الانتصار علي لبنان انتصارا علي إسرائيل؟ هل من يريد الاعتراف بأن الانتصار علي لبنان كان دائما بدلا من ضائع... بدلا من انتصار حقيقي علي إسرائيل؟ ليس اسهل من ان يرفع أحدهم اشارة النصر وهو واقف علي بلد مدمر اسمه لبنان. الصعوبة في الاعتراف بأن الهزيمة اسمها هزيمة ولا شيء غير ذلك. أين البداية وأين النهاية؟ يفترض في من يريد بالفعل إقامة علاقة من نوع جديد بين سوريا ولبنان الاعتراف بأن الخطوة الأولي في هذا الاتجاه تقضي بمعالجة موضوع السلاح. السلاح هو البداية والنهاية. في حال هناك في سوريا من يعتقد أن في استطاعته الاستفادة من السلاح غير الشرعي في لبنان، هناك جواب مختصر في غاية البساطة والوضوح في آن: السلاح لم يأت سوي بالويلات علي لبنان. والسلاح الذي استخدمته سوريا النظام في مرحلة ما، من أجل وضع اليد علي لبنان جعلها أسيرة من يتحكم فعلا بالسلاح. ما يمكن أن يكون أخطر من ذلك في المدي الطويل أن التلهي بلعبة السلاح وإرساله إلي لبنان حرم سوريا من فرص تحويل نفسها إلي دولة مهمة في الشرق الأوسط عن طريق بناء قاعدة اقتصادية متينة تمكنها من مواجهة المشاكل العميقة التي تعاني منها حاليا. في طليعة هذه المشاكل النمو السكاني، الذي يستهلك أي نسبة من التحسن تطرأ علي الاقتصاد، والبناء العشوائي في المدن والبرامج التربوية التي أكل الدهر عليها وشرب وغياب القاعدة الصناعية والزراعية التي تمكن بلدا يمتلك ثروات طبيعية هائلة من منافسة الدول القريبة منه. هل طبيعي أن يكون دخل الفرد في كل من الأردن ولبنان أعلي من دخل الفرد في سوريا. الأكيد أن لا مجال لمقارنة بين سوريا وتركيا نظرا إلي الهوة السحيقة بين البلدين، علما أن لا نفط في تركيا! ولكن ما العمل عندما ينعدم الاستثمار في الإنسان ويستعاض عنه بالبحث عن أدوار إقليمية انطلاقا من القدرة علي إرسال السلاح إلي لبنان والاستثمار في هذه الميليشيا اللبنانية أو تلك أو ذلك التنظيم الفلسطيني أو ذاك بما يصب في زعزعة الوضع في لبنان؟ لا يمكن لدولة أن تبني سياسة قائمة علي زعزعة الاستقرار في لبنان بدل العمل من أجل تكريس الاستقرار فيه بما يخدم بيروتودمشق وكل مدينة أو قرية في سوريا أو في لبنان. السلاح مؤذ لسوريا ولبنان. من لا يعي خطورة أي معادلة سياسية في لبنان تقوم علي امتلاك طرف ما السلاح واستخدامه في فرض ارادته علي الآخر انما يخدم كل من يسعي بطريقة أو بأخري إلي تفتيت العالم العربي بدل التقريب بين دولة. لم يؤد السلاح غير الشرعي في لبنان سوي إلي إثارة النعرات المذهبية. أخطأ المسيحيون عندما حملوا السلاح في مرحلة ما وأخطأ المسلمون عندما اعتقدوا أن المسلح الفلسطيني يمثل طليعة جيش المسلمين الذي سيحرر لبنان من "المارونية السياسية". ويخطئ حاليا كل من يعتقد أن السلاح الذي في حوزة "حزب الله" يمكن ان يؤدي اي خدمة للبنان أو سوريا. كل ما يمكن أن يفعله السلاح المذهبي هو إثارة الغرائز المذهبية لا أكثر. لن تنجح أي محاولة تبذل حاليا لتحويل الصراع في لبنان إلي صراع إسلامي - مسيحي عن طريق المناشير التي وزعت في شرق صيدا أو الإثارة المفاجئة لحقوق الفلسطينيين في لبنان... كما لو أن هؤلاء هبطوا فجأة علي البلد. من لا يعي خطورة السلاح في لبنان، لا يعي في الوقت ذاته مدي عمق الشرخ المذهبي الذي لم يعرف لبنان مثيلا له في الماضي. هذا الشرخ خطر علي لبنان وسوريا وكل المنطقة العربية. من لديه أدني شك في ذلك يستطيع التجول في شوارع بيروت ليشعر بأن الجرح الذي خلفته غزوة السابع من مايو 2008 لا يزال عميقا. لا يعالج هذا الجرح عن طريق تصوير المسيحي عدوا للمسلم أو عن طريق استخدام أداة مثل النائب ميشال عون كغطاء لسلاح "حزب الله"، بينما لا هم لعون منذ برز اسمه في وسائل الإعلام سوي تدمير مؤسسات الدولة اللبنانية... وإيجاد طريقة لتهجير المسيحيين من لبنان عن طريق زجهم في حروب خاسرة سلفا بالحسابات العسكرية والسياسية. أي معالجة لمستقبل العلاقات اللبنانية - السورية لا تبدأ بالسلاح هي معالجة لا فائدة منها. مرة أخري، السلاح يمثل البداية والنهاية. ولكن هل النظام في سوريا نظام طبيعي يدرك تماما حجم التحديات التي تواجه البلد وأن عليه الاهتمام بمشاكل سوريا أوّلا... أم يظن أن في الإمكان الرهان علي الاوهام، اي علي دور اقليمي ما، عن طريق ممارسة سياسة الهروب المستمر الي امام عن طريق تشجيع حال اللاستقرار في لبنان بواسطة السلاح والمسلّحين...