اشتباك غريب أراده وزير الخارجية السوداني الجديد علي كرتي مع مصر بالتصريحات التي نسبت إليه والتي وصف خلالها الدور المصري تجاه السودان وقضاياه بالضعيف متواضع المعلومات، ويحسب للخارجية المصرية تعاملها العقلاني مع هذه التصريحات ورد فعلها الذي اتسم بقدر عال من الحكمة والترفع والمؤكد أن مرجعه الخصوصية التي تجمعنا بالسودان.. ولو كانت مثل هذه الانتقادات وجهت لمصر من أي طرف أو دولة أخري لكان رد الفعل اختلف جذريًا. ولكن علي الرغم من غرابة هذا الاشتباك إلا أن له قراءته وهي قراءة بسيطة مفادها أن السيد «علي كرتي» سيكون وزير خارجية الانفصال أو بمعني أصح الانشطار بين جنوب السودان وشماله وأن الدولة السودانية الجديدة في الجنوب قادمة لا ريب في ذلك بحلول العام القادم ولن يمنع هذه النتيجة إلا «معجزة» في زمن لا يعرف المعجزات. وغاب عن السيد كرتي أن هذا الانفصال حصيلة أخطاء تاريخية بين شطري السودان وحرب أهلية دامت لعشرين عاما واستحقاق سياسي لاتفاق سلام وقعه حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان مع الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان بعد جولات تفاوض حرص السودان وقتها علي إبعاد مصر عنها وعن مجرياتها ووقعوا بأيديهم علي تقرير مصير الجنوب وهي حقائق يعلمها الجميع وأولهم السيد علي كرتي. ومع ذلك تعاملت مصر استراتيجيا بامتياز ومبكرًا مع الواقع السوداني الجديد الذي يخلق في جنوب السودان وعلي مدار السنوات القليلة الماضية استطاعت مصر أن تكون في صدارة المشهد العربي في جنوب السودان دون منازع بتواجد قوي ومتشعب مغلف بزخم سياسي من جامعات ومستشفيات ومدارس وخبراء ومشروعات وزيارات متبادلة لمسئولين رفيعي المستوي وعمدت مصر من خلال تواجدها القوي في الجنوب أن تجعل لآخر لحظة خيار الوحدة جاذبًا في السودان وإذا أصبح الانفصال مصيرًا للجنوب فإن هذا التواجد قادر علي التعامل مع المولود الجديد بجميع سماته وأولوياته وبما يحمي مصالح شمال السودان في جنوبه ومن قبلها مصالح مصر الاستراتيجية. السودان يمر بأيام صعبة وفارقة في تاريخه ولكن أجدي بوزير خارجية السودان الجديد أن يبحث عن «شماعة» أخري غير الشماعة المصرية لكي يبرر القادم في بلاده.