لم أتمالك نفسي من الانفعال وأنا أتمهل في التدقيق في الصور التي نجح عدد كبير من الصحف والمواقع الالكترونية في الاستحواذ عليها، والتي يظهر فيها شاب في أوائل عقده الثالث، مشنوقا بحبل غليظ، معلقا بقوة في سور كوبري قصر النيل الأثري، فيما تنظر عينا الشاب إلي أسفل، حيث صفحة النيل شديدة الصفاء والنقاء شاهدة علي الفاجعة. الشاب ترك رسالة خطية قصيرة عند قمة الحبل تقول: أنا بحبك يا... وانت آخر حب في حياتي..ونندهش أكثر مع سلسلة من المفاجآت، عندما نكتشف من خلال أقوال شقيقه أن الشاب المنتحر متزوج منذ أكثر من 12عاما، من زوجة تكبره بعشر سنوات، وليس هذا مما يعنينا من فارق السن، ولكن ما يعنينا أن الشاب قد تجاوز مرحلة المراهقة. أحكام الشرع معروفة ومحسومة، ولكن دراسة حالة هذا الشاب قد تكون مفيدة في التعرف علي بعض الأمراض الاجتماعية والنفسية التي قد تكون تسللت الي شبابنا بشكل مفاجئ؛ لا سيما أن أحدا من أقاربه لم يشر ولو بكلمة واحدة عن تعرضه لإصابات نفسية في أي مرحلة من حياته.. فهل يكون هذا الشاب فارسا من عصور الرومانسية التي كنا قد حسبناها قد ولت مع تدشين عصر اليورو والدولار.. وسيطرة لغة "بكام".. في كل الحالات يجب ألا تمر المأساة من دون دراسة.. هل عاد زمن الحب بهذه القوة وبهذا التهور؟.. وكيف هانت الحياة علي شاب في الثلاثين رفض أن يعيش بدون حبيبته.. رغم تجاوزه لاندفاع سن المراهقة وطيش مرحلة الشباب المبكر؟ الفضول الصحفي جعلني أتمني بأثر رجعي، لو أنني كنت قابلت هذا الشاب، أو لمحته في آخر لحظات حياته علي كوبري قصر النيل..ولابد أن كثيرين قد رأوه دون أن ينتبهوا بالطبع لما يضمره هذا العاشق المتيم. كنت أود لو استحلفته، وهو يعد عدته لهذا الحادث الجلل، وفي مكان محبب الي كل مصري.. النيل وكويري قصر النيل.. ملتقي العشاق.. تري هل كان يريد أن يقول لنا شيئا.. هل كانت رسالته الي حبيبته التي كتبها في عجالة.. لها .. أم لنا؟ كنت أود بشدة أن أستمع إليه جيدا كنت أود أن أقترب من مشاعره قبل أن أفتش في أفكاره..؛ فربما لو كان قد وجد من يستمع إليه، لكان غير من أفكاره السوداء.. حتي حبيبته لا تخلو من أن توجه إليها أصابع الاتهام، وهو اتهام معنوي قبل أن يكون مادي؛ اذا كانت تحبه حقا، فانها فشلت أن تحتويه، أن تصغي إليه، أن تكون مصدر سعادة.. لا مادة إيذاء. أستبعد تماما من خلال الإصغاء الجيد لملابسات الحادث وقد أسهبت وسائل الاعلام المقروءة في متابعتها أن يكون الشاب مريضا بالوهم، فقد أكد المقربون علي وجود قصة حب في الغالب ليست من طرف واحد، وأن الشاب عذبه ضميره تجاه فكرة العدالة بين مشاعره لزوجته، التي عاش معها 12عاما ولم يتحقق لهما الانجاب وهي تكبره بنحو عشر سنوات، ومن الواضح أنه يرتيط بها ويمتن لإخلاصها، وبين حبيبته الفتاة البكر الرقيقة، التي عادت به الي سنوات براءته الاولي، خاصة أنه لم يعش مراهقته بعد أن تزوج مبكرا. هذا الشاب مع فداحة جرمه دينيا واجتماعيا، فانه يمثل العديد من علامات الاستفهام، التي لايجب أن تمر أمام أعين علماءنا الأجلاء دون أن يجيبوا عنها، كما أنها مادة ثرية لاجدال لكتاب الدراما..انها قصة تقول أنه اذا كان الشاب قد مات عشقا.. فان العشق نفسه.. لم يمت. واذا كان الشاب قد ارتكب خطيئة دينية لا تغتفر..فانه أيضا ترك سؤالا فلسفيا ليس عبثيا عن ماهية الحب..عن جدواه.. حدوده.. قيوده.. زمانه.. والأخطرأنه يسألني ويسألك: إلي أي مدي تؤمن بالحب.. إلي أي حد تصدقه.. هل تحب لتسعد بفتح التاء أم لتسعد بضمها أسئلة عديدة أيقظتها فينا المأساة.. ولست أعرف هل جائزا أن نطلب للمنتحر المغفرة.. اذا كان يجوز ذلك فانني لا أتردد في طلبها للجميع، إيمانا منا بأن رحمة ربي قد وسعت كل شئ..وأمره سبحانه نافذ ولاراد لقضائه. توضيح لابد منه: بعض السيدات الفضليات التي أحترمهن بشدة، توجهن الي بعتاب علي مقال الأسبوع الماضي، الذي تناولنا من خلاله دراسة قد تنتقص من دور المرأة المصرية، وهو مالم نهدف إليه مطلقا؛ فايماننا بالمرأة المصرية راسخ لا يتزعزع، كما أن مساندتنا لها أمر لا يحتمل المزايدة عبر تاريخ طويل من الدفاع عن حقوقها وثوابتها ومكتسباتها..وما قصدناه هو التعليق فقط علي دراسة غريبة لا نعرف منهجها العلمي الذي اتبعته..أجدد الحب والاحترام للنص الحلو.. شريك العمار والتنمية.. وبهجة الحياة.. وأرفع القبعة إجلالا لها.