«الدين وضع إلهي والداعي إليه بشر» كم مرة فكرنا في الإسلام من هذا المنظور؟ هل ثمة تصور ساذج في هذا التفكير؟ نعم، قد تكون الفكرة بسيطة وأحادية: تعاليم إلهية أنزلت علي شكل وحي، ثم انتشرت إلي باقي الأمة، لكن موضوع الديانة المسيحية والديانة الإسلامية، وتطبيق معني الدين نفسه في أمور وضعية مكتسبة مثل العلم والمدنية وحقوق الإنسان، هي فكرة أكثر عمقا من مجرد التنزيل الإلهي، هكذا تدعونا ثلاث رؤي ليبرالية في ثلاثة كتب صدرت متزامنة للتفكير في الأديان السماوية، وركزت القراءات الثلاث تلك علي الإسلام كنموذج لدولة سياسية، كيف ستطبق مبادئه؟ وما ملامح المستقبل بعد انتهاء عهد الفتوحات الإسلامية؟ وأخيرا التدليل علي عالمية الإسلام بتطابق تعاليمه مع مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. الكتاب الأول، أعادت هيئة الكتاب طباعته وهو بعنوان «الإسلام.. دين العلم والمدنية» للإمام محمد عبده من تحقيق وتعليق طاهر الطناحي، والثاني عن الهيئة أيضا، وهو كتاب «الإسلام بين أمسه وغده» للدكتور محمود قاسم، وهو كتاب تراثي أيضا، وأخيرا كتاب «حقوق الإنسان بين الإسلام والغرب.. النظرية والتطبيق» للدكتور نبيل لوقا بباوي. يشير كتاب محمد عبده إلي مصطلح «المسألة الإسلامية» الذي أطلقه أول مرة المسيو هانوتو الذي كان وزير خارجية فرنسا، واصفا أوضاع البلاد التي دخلتها فرنسا فاتحة ومحتلة، ومحمد عبده هنا يحاول أن يلقي الضوء علي وجهة النظر الغربية الاستعلائية عن الإسلام، التي تري فيه خطرا لأنه كما قال هانوتو أيضا «الإسلام فينا وخارج عنا أيضا»، حيث كان يري الشعب الفرنسي شعبا جمهوري المبادئ لا مرشد له إلا نفسه، تقلد زمام شعب آخر ينمو بسرعة هائلة إلي الضعف، ومنتشر في الأرجاء الفسيحة والبقاع المجهولة، ومتبع لتقاليد وعادات غير التي يحترمها الفرنسي، إنه الشعب الإسلامي السامي الأصل الذي يحمل إليه الشعب المسيحي الآري روح المدنية، فيما كان رد الإمام محمد عبده علي هانوتو أن تلك العظائم التي تفخر بها أوروبا لم تنبع منها وإنما جاءتا من مخالطة الأمم السامية. أمثال هذا السياسي الفرنسي كما يري محمد عبده يعتقدون في المسلمين أنهم وحوش ضارية وحيوانات مفترسة، والواجب إبادتهم، أما رؤية الشيخ للإسلام والتي من شأنها تصحيح هذا الوضع غير اللائق، فتتلخص في النظر إلي طابعه المدني أكثر من الديني، ويتم تطبيق الرؤية المدنية للإسلام بتأكيد الصلة بين السياسة والدين في العالم الإسلامي، لأن الشعور القوي بالإيمان والانتماء إلي الدين الإسلامي، لا يغني عن إدراك مفهوم «الجامعة السياسية» أو الرابطة المدنية الوطنية، وعليه يري هذا الكتاب أن الوطن لا يجب أن ينحصر في الإسلام، لأن هذا «سبب في حدوث سوء التفاهم بين الحاكمين والمحكومين في البلاد الإسلامية الخاضعة لحكومات مسيحية»، لكن الإمام عبده لا يتخلي عن تعظيمه لأصول الدين، باعتبارها الهادي الأول والأخير لجموع المسلمين في الدولة الإسلامية، التي بها يمكن تمحيص العقائد وتهذيب الأخلاق، كإحدي وسائل إصلاح شئون المسلمين. الرؤية الثانية في كتاب محمود قاسم تتناول بالأساس حال المسلمين في العصر الحديث، وأسباب التدهور، وطرق الإصلاح، وتتحدث عن «المعجزة» التي ينتظرها المسلم لتحقيق «الرابطة الإسلامية» بين المسلمين في مختلف الأقطار الإسلامية. يقول الكاتب في مقدمته: «قد نحسن الظن لو قلنا إن شباب المسلمين وشيوخهم قد انقطعوا، منذ جيل أو جيلين، عن الفخر بماض لم يصنعوه وعن الأسي والحسرة لحاضر يزعمون عجزهم عن إصلاحه، وعن الأمل العريض في مستقبل يلقون عبء تحقيقه علي الأجيال بعدهم، ذلك لأنهم كانوا ينتظرون إحدي المعجزات لكي تقودهم إلي الحرية وإلي المجد، دون أن يبذلوا من ذات أنفسهم شيئا»، ويري المؤلف أن التدهور أبعد عهدا مما يظن المسلمون، فهو راجع إلي زمن الحروب الصليبية، أو هجوم التتار علي بغداد، لكنه بدأ مع انقسام المسلمين إلي فرق ومذاهب دينية متناحرة. الدكتور نبيل لوقا بباوي يقدم كعادته رؤية مسيحية معتدلة عن الإسلام، وذلك بالتركيز علي موضوع حقوق الإنسان كما وردت في تعاليم الدين الإسلامي، حيث يشير د. بباوي إلي ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي لحقوق الإنسان، الذي أكد في ديباجته علي «إيمان الدولة الإسلامية بمبادئ ميثاق الأممالمتحدة وحقوق الإنسان الأساسية». أما بخصوص الحقوق السياسية فقد اكتفي ميثاق المنظمة التي تأسست عام 1969، بالقول بأن الولاية أمانة يحرم الاستبداد فيها وسوء استغلالها، وأن لكل إنسان حق الاشتراك في إدارة الشئون العامة لبلاده، والحق في تقلد الوظائف العامة وفقا لأحكام الشريعة. وفي فصل آخر يبحث المؤلف عن مبادئ الحرب في الإسلام ومنها: الاستجابة للسلم إذا طلب العدو السلم، وعدم البدء بالقتال والدعوة للسلام.