«رفع الحصار عن غزة» سيشكّل محور اهتمام العالم في الأسابيع المقبلة ، ليس بسبب العاصفة التي أثارها رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي، وإنما أيضا بسبب حنكة الرئيس مبارك الذي اتخذ قرارا صائبا بفتح معبر رفح لمرور الناس ومواد الإغاثة، معبرا عن رغبة الشعوب العربية كلها، وفي مقدمتها الشعب المصري. قبل شهور كتبت مقالا في هذه الصفحة تحت عنوان «الطاهي التركي والمطبخ الأمريكي»، ذكرت فيه أن بزوغ نجم تركيا مؤخراً في منطقة الشرق الأوسط باعتبارها قوة إقليمية مؤثرة تجيد لعب الأدوار المركبة والمتعددة، مع معظم دول المنطقة بلا استثناء كالضغط والمراوغة والتمثيل - إذا اقتضي الأمر - ومسرحية رجب أردوغان في دافوس مع الثعلب شيمون بيريز ليست بعيدة عن الأذهان، وهو الموقف الذي تم استغلاله عربياً ودولياً بقدر أكبر بكثير من حجمه الحقيقي علي مستوي السياسة الخارجية.. بحيث ظهرت تركيا، كأنها المدافع عن الحقوق الفلسطينية والعربية.. أكثر من الدول العربية نفسها ، وهو ما يتكرر اليوم مع أسطول الحرية (التركي) لكسر الحصار علي غزة. كما أشدت ب" مهارات الدبلوماسية التركية في المناورة لتشتيت الاختراق الإيراني تحديدا.. بالتأكيد علي هوية تركيا السنية دون الدخول في مواجهة علنية مع إيران أو في مواجهة مباشرة مع الدور المصري فيما يخص الملف الفلسطيني - الإسرائيلي، أو الفلسطيني - الفلسطيني.. من أجل الوصول إلي (سلخ دمشق ومعها حزب الله وحماس والجهاد من علاقتها الاستراتيجية مع إيران ). لكن، هل حقا تركيا مهمومة بالقضية الفلسطينية وبأهلنا في غزة؟ هل تختلف أطماع تركيا في المنطقة عن أطماع إيران ، أو حتي عن أطماع إسرائيل؟.. لقد أصبحت «القضية الفلسطينية» رهينة موازين القوي المتصارعة في المنطقة، يتجاذبها الجميع لتحقيق مكاسب داخلية وخارجية وبين بين، ناهيك عن أنها باتت أداة من أدوات الحنكة السياسية والعاطفة الشعبية، وهو الأمر الذي يسلط الضوء وبقوة علي الدور العربي ممثلا في مصر تحديدا، ليس كمنافس للدور التركي أو للدور الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، وإنما باعتبارها قلب العروبة النابض الذي تحمل آلام القضية الفلسطينية، لأكثر من ستين عاما قدم خلالها الغالي والنفيس، ولايزال. هناك تنسيق تام بين تركيا وإيران خاصة في مناطق نفوذ كل منهما، ولا يتردد رئيس الوزراء التركي أردوغان في كل زيارة لطهران من التأكيد أمام وسائل الإعلام: «أن تركيا وإيران هما عماد الاستقرار في الشرق الأوسط، وأن تركيا لا يقلقها البرنامج النووي الإيراني»، بل إن إيران لم تتوصل إلي اتفاق بشأن ملفها النووي إلا مع تركيا بمساعدة البرازيل ، حيث أبرمت صفقة يتم بموجبها نقل 1200 كيلو جرام من اليورانيوم الإيراني المنخفض التخصيب إلي (تركيا). في المقابل، كان تصريح الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بأنه: «لا تستطيع أي قوة غير إيران وتركيا ملء الفراغ في الشرق الأوسط، وأن إيران وتركيا يمكنهما صياغة نظام إقليمي جديد؟». لقد عبر الأستاذ عبدالله كمال بمهارة عن التحديات والمخاطر المحدقة بالمنطقة، في مقاله الأسبوعي بالعدد الأخير من مجلة روز اليوسف ، والمعنون «علي حساب مصر »، يقول : «إن العروبة لن تستبدل التحدي الفارسي بالتحدي العثماني.. إنه لا يمكن قبول طرح مشروع ذي أبعاد أيديولوجية يهدف إلي تغيير التركيبة المستقرة للقومية العربية.. وأن العرب لا يمكنهم أن يقبلوا عودة الجدل السقيم بين مشروع (الجامعة الإسلامية) والتوجهات الوطنية الذي كان سائدا في بداية القرن الماضي.. ومنها أن أهل مكة أدري بشعابها.. والعرب أدري بقضية فلسطين.