كتب - دانيل جروس مدير مركز دراسات السياسات الأوربية فى بروكسل يقال إن رئيس البنك المركزي الأوروبي يعرض في كل اجتماع للمجلس الأوروبي رسماً بيانياً يصور تطور تكاليف الأجور النسبية في مختلف بلدان منطقة اليورو الستة عشرة ويوضح هذا الرسم البياني تباينا متزايدا علي مدي السنوات العشر الأخيرة حيث خسرت البلدان التي تواجه مصاعب الآن «اليونان، البرتغال، اسبانيا» ما يقرب من 20% من قدرتها التنافسية نسبة إلي ألمانيا أي أن الزيادة في تكاليف الأجور منذ عام 1999 كانت في ألمانيا أقل من نظيراتها في جنوب أوروبا بنسبة 20%. إن القدرة التنافسية التي تقاس عادة من حيث تكاليف وحدة العمل تشكل مفهوماً نسبيا إن ما يكسبه بلد ما قد يمثل خسارة بالنسبة لبلد آخر واستعادة القدرة التنافسية في بعض البلدان الأعضاء «اسبانيا واليونان» سوف تتطلب إرغام بلدان أخري «ألمانيا في المقام الأول» علي قبول تدهور قدراتها التنافسية. وقد يتحقق التعديل من خلال زيادة الأجور في البلدان حيث تكاليف اليد العاملة أقل بدلاً من خفض الأجور في البلدان حيث تكاليف اليد العاملة أعلي مما ينبغي والاستجابة الرسمية لأمر كهذا هي أنه لا يجوز إرغام أي بلد علي زيادة الأجور وأن الكل من الممكن أن يكسب إذا نجحت الإصلاحات البنيوية في زيادة الإنتاجية. وهو افتراض صحيح بالتأكيد ولكنه لا يحل المشكلة الأساسية وهي أن تكاليف وحدة العملة النسبية لدي أي بلد ليس من الممكن أن تنحدر إلا بارتفاعها في بلد آخر. المؤكد أن الاقتصاد في البلدان الأعضاء ليس اقتصاداً موجهاً تسيطر عليه الحكومات ولا تستطيع الحكومات أن تفعل إلا أقل القليل في ظل اقتصاد السوق لفرض خفض الأجور في القطاع الخاص. تستطيع الحكومات بطبيعة الحال أن تفرض خفض الأجور علي القطاع العام وهذا ما يحدث بالفعل علي نطاق واسع في اليونان واسبانيا علي سبيل المثال ولكن الأدلة التجريبية التي تثبت أن أجور القطاع العام قد تكون مؤثرة علي أجور القطاع الخاص قليلة للغاية. هل زيادة الإنتاجية هي المخرج من هذه الورطة إذن؟ حتي لو افترضنا أن الحكومات قادرة علي تحديد وتنفيذ الإصلاحات البنيوية المطلوبة والقادرة علي تحقيق مكاسب سريعة في الإنتاجية فليس من الواضح ما إذا كانت زيادة الإنتاجية قد تودي إلي زيادة القدرة التنافسية. بل إن العكس كثيراً ما يكون صحيحاً في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي فبعض البلدان التي حققت أعلي معدلات النمو في إنتاجية الأيدي العاملة كانت الأكثر خسارة في مجال القدرة التنافسية «أيرلندا علي سبيل المثال». ولكن كيف يتأتي ذلك؟ إن زيادة الإنتاجية تعني انخفاض تكاليف وحدة العمل ولكن التحسن في الإنتاجية من الممكن أن تطغي عليه بسهولة التغيرات الطارئة علي الأجور ففي حين لا يتجاوز النمو في الإنتاجية عادة كسور النقطة المئوية فإن الزيادة في الأجور كانت أكبر كثيراً. لذا فإن السؤال الحقيقي الذي يطرح نفسه هنا هو ما الذي يحرك الأجور؟ إن البيانات المتوفرة علي مستوي البلدان تشير إلي أن أكبر الزيادات في الأجور علي مدي العقد الماضي كانت مرتبطة عموماً بأقوي مستويات النمو في الطلب المحلي «كما في حالة اسبانيا واليونان». إن الخسارة التي يمكن قياسها في القدرة التنافسية في بلدان جنوب أوروبا ليس من الممكن أن نعزوها إلي الافتقار إلي الإصلاحات البنيوية أو النقابات العمالية ذات المطالب غير المعقولة بل لابد وأن نعزو هذه الخسارة إلي ازدهار في الطلب المحلي والذي يغذيه في الأساس إتاحة الائتمان الرخيص بهدف الاستهلاك «في اليونان» أو التشييد والبناء «في اسبانيا وأيرلندا» وهذا الطلب المفرط علي الاستهلاك والبناء وأدي إلي زيادة الطلب بشكل مفرط علي العمالة خاصة في القطاعات المحمية مثل قطاع الخدمات الأمر الذي أدي بدوره إلي دفع تكاليف الأجور إلي الارتفاع. إذا كان الطلب المحلي المفرط هو المشكلة فإن الحل لابد وأن يكون في الطريق الآن ذلك أن أسواق رأس المال الدولية بدأت بالفعل في الحد كثيراً من القروض المقدمة إلي هذه البلدان فضلا عن ذلك فإن الخفض المالي الحاد الذي بدأ بالفعل في مختلف بلدان جنوب أوروبا لابد وأن يساهم أيضا في التباطؤ الحاد إن لم يكن في الهبوط الصريح في الطلب المحلي هناك وإذا كانت أسواق العمالة تتمتع بالمرونة الكافية فلابد وأن ينتج هذا عن انخفاض في الأجور بل إن هذا يشكل شرطاً أساسياً: مرونة أسواق العمالة في الاتجاه الهابط بقدر مرونتها في الاتجاه الصاعد.